نرفض مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد

يعرب حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) عن رفضه لمسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي أعلن عنه البرلمان المصري في مطلع شهر سبتمبر 2024. فرغم استخدام مقترحات خفض سقف الحبس الاحتياطي لتسويق مشروع القانون، فإنه قد ورد في هذا القانون العديد من المواد التي تمثل ردة قانونية ودستورية لبعض حقوق وضمانات المواطنين المصريين، بالإضافة لهدمها العديد من المبادئ و القواعد القانونية المستقرة لمحكمة النقض. كما يتساءل الحزب حول الغرض من السرعة التي يريد البرلمان بها أن يمرر مشروع هذا القانون دون التروي في نصوصه ومقترحاته، ودون إشراك حقيقي للمجتمع المدني بمعناه الواسع من أحزاب ونقابات مهنية وخبراء ومتخصصين في مناقشة مشروع القانون. إذ أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد لا يخص فقط مؤسسات العدالة الرسمية أو المحامين فقط، بل يخص حقوق وضمانات المواطنين الأساسية.

أبرز اشكاليات مشروع قانون الجديد

الإخلال بحقوق الدفاع

حيث نصت المادة 72 من مشروع القانون على أنه ” يجوز للخصوم ووكلائهم أن يقدموا إلى عضو النيابة العامة الدفوع والطلبات التي يرون تقديمها، وفيما عدا ذلك لا يجوز لوكيل الخصم الكلام إلا إذا أذن له عضو النيابة العامة، فإذا لم يأذن وجب إثبات ذلك في المحضر”.

كما نصت المادة 242 من مشروع القانون ” مع عدم الإخلال بحالة التلبس، و بمراعاة أحكام قانون المحاماة إذا وقع من المحامي أثناء قيامه بواجبه في الجلسة وبسببه ما يجوز اعتباره تشويشاً مخلاً بالنظام، أو ما يستدعي مؤاخذته جنائياً يحرر رئيس الجلسة محضراً بما حدث. وللمحكمة أن تقرر إحالة المحامي إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته جنائياً، وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبياً”.

حيث تعتبر المواد السابقة إخلالاً جسيماً بحقوق الدفاع لدرجة إعطاء النيابة الحق في إلزام المحامي بالصمت من ناحية، وتعتبر صياغات المواد ترهيباً للمحامين أثناء أداء واجبهم أمام هيئة المحكمة من ناحية أخرى!. كما قررت المواد 105، 73 من مشروع القانون على حق المحامي في الإطلاع قبل استجواب المتهم بيوم واحد على الأقل وهي فترة غير كافية على الإطلاق، بل وكرست حق النيابة في عدم تمكين المحامي من الحصول على أوراق الدعوى بعد إنتهاء التحقيقات إذا رأت النيابة العامة ذلك ! الأمر الذي يعد إخلالاً جسيماً بحق الدفاع وبحق من يمثله في الحصول على الفرصة في محاكمة عادلة وتمكينه من دراسة وقراءة التهم الموجهة إليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه بشكل مناسب.

توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية/الشرطة

أعطت المادة 63 من مشروع القانون للنيابة العامة حق ندب أحد مأموري الضبط القضائي للمساعدة في عمل من أعمال التحقيق، بل ومنحته حق استجواب المتهم أيضاً مبررة ذلك بعبارة مطاطة مثل “في الأحوال التي يخشى فيها ضياع الوقت”. وهو أمر خطير إذا أن المواطنين في حاجة للمزيد من الضمانات قِبل تصرفات مأمور الضبط القضائي، وليس المزيد من الصلاحيات للدرجة التي تصل لتدخلهم في عمل النيابة العامة لتصبح الشرطة هي التي تقوم بالقبض والتحري وجمع الاستدلالات واستجواب المتهم أيضاً!

تفريغ حق علانية الجلسات من مضمونه

إن الحق في علانية الجلسات من ضمن المبادئ المستقرة دستوريا وقانونيًا رغبة من النظم المدنية الحديثة في تأكيد الثقة في القضاء وشفافية ونزاهة وحيدة إجراءاته. وجاءت المادة 266 من مشروع القانون مع إقراره٬ إلا أنها قررت أنه لا يجوز بث أو نقل أي من أخبار الجلسات إلا بإذن كتابي من رئيس المحكمة بعد أخذ رأي النيابة العامة. وهو ما يعتبر تفريغ لهذا الحق من مضمونه.

الحبس الاحتياطي

قرر مشروع القانون في المادة 123 خفض الحد الأقصى للحبس الاحتياطي وجعل الحد الأقصى له أربعة أشهر في الجنح بدلاً من ستة أشهر، واثنا عشر شهرًا في الجنايات، بدلاً من ثمانية عشر شهرًا، وثمانية عشر شهرًا إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام بدلاً من سنتين. ولكنه لم يتطرق لأي حلول لسياسة تدوير المتهمين والتي يعاني منها العديد من النشطاء السياسيين، فعقب انتهاء فترة الحبس الاحتياطي على ذمة إحدى القضايا يجد البعض أنفسهم متهمين في قضية جديدة ليبدأ حساب فترة الحبس الاحتياطي من الصفر مرة أخرى.

كما لم يتناول مشروع القانون تلافي إشكاليات الحبس الاحتياطي الواردة في المادة 40 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 والمعدل بالقانون رقم 11 لسنة 2017. وهي المادة التي تتيح لمأموري الضبط القضائي/الشرطة التحفظ على المواطنين لمدة 14 يوم٬ قابلة للتمديد مرة ثانية، استثناءً وخروجًا على مبادئ وقواعد قانون الإجراءات الجنائية.

جدير بالذكر أن الافتئات على حقوق وضمانات المواطنين الأساسية في قانون الإجراءات الجنائية ليست المحاولة الأولى للنظام السياسي الحالي، فقد قام بتعديل قانون الإجراءات الجنائية بالفعل عام 2013 وقرر القانون رقم 83 لسنة 2013 في تعديل المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية بأن لمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم الصادر بالإعدام أو المؤبد أن تأمر بحبس المتهم إحتياطياً بدون حد أقصى. ثم صدر تعديل آخر في عام 2017 بموجب القانون رقم 11 لسنة 2017 والذي قرر فيه أنه يحق للمحكمة أن لا تسمع الشهود الذي يطالب بسماعهم المتهم إذا ما رأت أنه في غير حاجة إليهم. وهو ما اعتبره الكثيرين حينها تكريسا وشرعنة للإخلال بحق أصيل من حقوق الدفاع.

إن حزب العيش والحرية يطالب أعضاء وعضوات البرلمان المصري بإعادة دراسة مقترح مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في ضوء الانتقادات والتعليقات التي صدرت من نقابة المحامين والعديد من الشخصيات العامة ومؤسسات المجتمع المدني، وفي ضوء الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها الدولة المصرية، وأحكام المحكمة الدستورية العليا السابقة على نصوص قانون الإجراءات الجنائية الحالي. كما يهيب الحزب بأعضاء وعضوات البرلمان استشعار المسئولية التاريخية والوطنية الملقاة على عاتقهم وعدم الانشغال بالتحيزات السياسية أو الأيديولوجية أثناء دراسة مشروع قانون يمس حقوق وضمانات وكرامة جميع المواطنين/ات المصريين.