نرفض حكومة الإفقار والاستدانة والاستهانة بسيادة الشعب

يرفض حزب العيش والحرية -تحت التأسيس- تشكيل الحكومة الجديدة وبرنامجها، ويرى في كل من هذا التشكيل وهذا البرنامج، إصرارًا مستفزًا على الاستمرار في نفس السياسات التي أدت إلى إفقار المصريين، ونهب مدخراتهم وثرواتهم الطبيعية، ومصادرة سيادتهم على قرارهم السياسي.

قراءة أسماء المختارين للحقائب الوزارية توضح بجلاء أن معيار الاختيار الأول لوزراء ما يعرف بالمجموعة الاقتصادية (المالية، التجارة والاستثمار، التخطيط والتعاون الدولي بالأساس بالإضافة لحقائب أخرى) كان إرضاء الشبكة الواسعة من الدائنين والمانحين وأصحاب الفوائض المالية في الإقليم المتأهبين للاستيلاء على المزيد من ثروات وأصول الشعب المصري في عملية تسمى زورًا بالاستثمار الأجنبي. فأعضاء هذه المجموعة قادمون للعمل البيروقراطي بعد سنوات من العمل في جهات التمويل الدولية التي يسعى النظام لخطب ودها سواء صندوق النقد الدولي، أو البنوك الاستثمارية الكبرى، أو صناديق الاستثمار الخاصة العملاقة.

وزير المالية الجديد، مثلًا، عمل خلال السنوات السابقة بالتناوب بين صندوق النقد والبنك الدوليين، ووزارة المالية، ومؤخراً كان ممثلًا لشركة مصر للتأمين في مجلس إدارة مجموعة طلعت مصطفى التي كانت وسيطًا في عدد من عمليات الاستحواذ الإماراتية على أصول عقارية مصرية في الفترة الأخيرة. ‏في نفس السياق، يأتي اختيار وزير التجارة والاستثمار، والذي كان يعمل قبل تولي مهام الوزارة كأحد المدراء التنفيذيين لواحد من أهم الصناديق الاستثمارية في العالم، والمعروفة بالاستثمار في أدوات الدين الحكومية. بينما كانت، ولا تزال، وزيرة التعاون الدولي، والتي ضمت إليها حقيبة التخطيط، عضوة في مجلس إدارة أحد أهم البنوك الاستثمارية الإماراتية.

بل إن الأمر امتد إلى وزارات خدمية حيوية، كوزارة التموين، حيث يأتي الوزير الجديد كذلك من خلفية بنكية شملت عمله على إعادة هيكلة بنك ناصر الاجتماعي. ووزير التعليم بدوره هو مالك لسلسلة من المدارس الخاصة، وتحولت مسألة مؤهلاته التعليمية والوظيفية لفضيحة ومسار للتندر والسخرية.

ترجم هذا التشكيل نفسه بالطبع في توجهات الحكومة الجديدة التي أعلنها رئيس الوزراء أمام البرلمان، وهي كلها تدور حول توفير الشروط اللازمة لمزيد من الاستدانة، وجذب رؤوس الأموال الباحثة عن استثمار مربح وقصير الأجل، سواء عبر شراء السندات الحكومية، أو الاستحواذ المباشر على شركات رابحة، وأصول في هيئة أراضي أو موانئ أو وسائل مواصلات. “يفتخر” مصطفى مدبولي في تكليفه الجديد بالسعي لإعادة هيكلة الدعم السلعي، أي إلغاءه التدريجي، وتخفيض الدعم على الكهرباء والوقود، وكذا تخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات الأساسية من صحة وتعليم، وهو الإنفاق المنخفض أصلا، بل ويبشرنا بموجة ارتفاع جديدة في الأسعار يراها “ضرورية” وتشمل أسعار الدواء وغيره من السلع الأساسية. وبالطبع، يتعهد مدبولي بمزيد من التسهيلات للقطاع الخاص، وإشراكه في ما يسميه بجهود التنمية، أي مزيد من التسهيلات لرأس المال الاحتكاري العابر للحدود.

الأخطر، أن هذه الحكومة المرتهنة بالكامل لإرادة الدائنين، مطلوب منها التعامل مع محيط إقليمي مشتعل ويحمل تحديات وجودية لأمن وسيادة الشعب المصري، خصوصا مع استمرار ‏الحرب البربرية التي يقودها جيش الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، واحتلاله للجانب الفلسطيني من الحدود مع مصر بالمخالفة للاتفاقيات المشتركة معه، وكذلك الحرب الأهلية المستعرة على الجانب الآخر من الحدود المصرية في السودان. في ظل هذه المخاطر، يُحرم الشعب المصري من مجرد معرفة المعايير التي تم على أساسها اختيار الوزراء المكلفين بالتعامل مع هذه الملفات، وعلى رأسها الخارجية والدفاع بطبيعة الحال. بل إن الاختيار هنا كان معياره الوحيد هو الولاء المطلق، حتى لو انتهى بمسئول دبلوماسي تحوم حوله شبهات فساد لتولي المسئولية كوزير الخارجية الجديد.

هؤلاء الوزراء الجدد، المجهولون، أصبح منوط بهم وضع تصور متماسك حول آلية لوقف إطلاق النار في غزة، وصياغة رؤية حول مستقبل الدور المصري في القطاع، ووقف سيناريوهات التهجير، وأخيرًا إدارة العلاقة مع حركة حماس بشكل خاص وفصائل المقاومة الفلسطينية بشكل عام. كل هذه الملفات الخطيرة يتولاها مسئولون لا نعرفهم، ولا يحق لنا أن نتساءل عن خلفياتهم.

في مقابل تجاهل الإرادة الشعبية الكامل والممنهج هذا، يتعهد مدبولي باستمرار “الحوار الوطني”، والاستجابة لمخرجاته، كما شمل التشكيل الوزاري تعيين أحد مهندسي الحوار الوطني وزيرًا للاتصال السياسي. حديث الحكومة الجديدة عن استمرار “الحوار” نراه تهربًا من الاستجابة للاستحقاقات السياسية الملحة والتي عبرت عنها القوى السياسية المدنية الديمقراطية التي شاركت في الحوار منذ الجلسة الأولى، وهي الإفراج عن كل معتقلي الرأي والنشاط السياسي ممن لم يدانوا في محاكمات عادلة ونزيهة بجرائم عنف بحق المصريين، وإلغاء كافة القيود التشريعية التي تقيّد حقوق المصريين في المشاركة العامة والسياسية، وإقرار قانون ديمقراطي منظم للانتخابات التشريعية والمحلية. لم يتحقق أي مطلب من هذه المطالب بعد سنتين من الحوار، باستثناء الإفراج عن مئات من سجناء الرأي، واعتقال مئات غيرهم سواء في سياق الاحتجاج على العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني أو محاولة المشاركة في انتخابات الرئاسة. بدون تلبية هذه المطالب لن يعني استمرار “الحوار” إلا محاولة هندسة معارضة على مقاس توجهات السلطة الحاكمة المعادية لغالبية الشعب المصري.

نكرر رفضنا لتشكيل وبرنامج الحكومة الجديدة، ونتعهد بمعارضتها مع غيرنا من القوى المدنية والديمقراطية التزامًا منا بمصالح الشعب المصري وانحيازًا لمعاناة فقراءه وكادحيه.