رؤيتنا للوضع السياسي الراهن

حقيقة الامر نحن في وضع سياسي بالغ التعقيد وحافل بالمتناقضات والصراعات علي المستوي المحلي والإقليمي والدولي فثمة مد وجزر للنضالات الجماهيرية علي المستويين المحلي والعالمي ومن جهة أخرى أزمة للرأسمالية وهجمات شرسة لقوي الثورة المضادة في مواجهة النضالات الجماهيرية بالغة القوة والمفعمة بالإصرار حال اندلاعها في ظل غياب رؤية بديلة يعبر عنها برنامج وقيادة ثوريين يلتحم بنضالات الجماهير ويمكن من انتزاع بعض المكاسب والحفاظ عليها. لكن ثمة أمر هام وجدي أفرزته ثورة يناير 2011 في مصر ذلك المتمثل في تراجع الخوف من مواجهة سلطات أنظمة الحكم البرجوازية السائدة وأدواتها القمعية.

1- إننا نواجه لأول مرة في التاريخ أزمة شاملة ومركبة للنظام الرأسمالي، أي أزمة اقتصادية واجتماعية وغذائية وبيئية وإنسانية. لأول مرة في التاريخ تندرج هذه الأزمة في العولمة الرأسمالية وتُفسر بها. ولا يفلت منها أي قسم بالعالم. وكل العوامل، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مترابطة على الصعيد العالمي. ليست الأزمة الاقتصادية أزمة ظرفية، إنها هيكلية، أزمة منظومة، إنها اخطر أزمة تواجه الرأسمالية العالمية منذ العام 1929. والأزمة الراهنة ليست مجرد أزمة دورية ظرفية، بل تندرج في أزمة هيكلية طويلة الأمد، أزمة النظام المنتجالذي أرسته السياسات النيوليبرالية منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي. تتناوب أطوار الانتعاشوالانكماشمنذ عقود، لكن الأزمات تزداد عمقا، وتجنح إلى التوالي بوتيرة متسارعة أكثر فأكثر، وتصيب حاليا قلب النظام، وكلفتها الإجمالية في ارتفاع مطرد.

تبين الأزمة الراهنة المماثلة لأزمة 2008 – والتي بدت بوادرها منذ أشهر قليلة عمقا لتناقضات النظام الرأسمالي. بدأت هذه الأزمة في الدائرة المالية، لكن لا يمكن بأي وجه اختزالها في أزمة بنكية ومالية. إنها ناتجة عن تركيب أزمة فيض إنتاج سلع، وفيض تراكم الرأسمال و نقص الاستهلاك. المحصلة القادمة للأزمة مزيد من البطالة والإفقار وتوظيف للرساميل في الدول التابعة علي حساب الامبرياليات الكبرى ومضاربات في البورصات المختلفة وأخيرا هجوم ضاري وشرس من قبل رجال الأعمال علي العمال والشعوب للسيطرة علي الموارد الطبيعية ونتاج عمل الكادحين.

2- في ظل احتدام أزمة النظام الرأسمالي ستتزايد الصراعات الطبقية والسياسية ومزيد من اشتعال الصراعات الطائفية والعرقية. نشهد الآن ملمحا هاما في سيناريوهات تجاوز الأزمات علي المستوى السياسي يتمثل في توظيف التيارات الرجعية والمحافظة (مختلف تيارات الاسلام السياسي الأصولية والسلفية إلخ ) لإعاقة تنامي وتطور حركات جماهيرية مناهضة للرأسمالية، وليس أدل علي ذلك من دعاوي الحرب علي الإرهاب التي تشعلها الامبريالية العالمية وحلفائها من البرجوازيات التابعة كتكتيك للخروج من أزمة الرأسمالية ضمن حلول أخرى. بالتأكيد هذا لا يتعارض مع أن هناك أساسا اقتصاديا واجتماعيا لنشأة مختلف هذه التيارات الرجعية.

إن تقديم بعض الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة إحدى أدوات الرأسمالية للحفاظ علي المجتمع الرأسمالي والاستثمار واستغلال العمال والفلاحين ومختلف الشرائح الاجتماعية الفقيرة. بيد أن هناك استحالة لاستجابة الرأسمالية لتطلعات الجماهير وتقديم حلول لمعضلات الفقر والتخلف فالربح ومراكمة الأموال والعنف هو منطق الرأسمالية وأدواتها لنهب الشعوب ومراكمة رأس المال، وعليه فاحتدام الصراعات الاقتصادية والسياسية سيلازم مشهد الرأسمالية علي الصعيد العالمي والمحلي مع تنامي وتصاعد أزمة النظام الرأسمالي.

3- إن الدولة لم تكن موجودة على الدوام. فقد كان زمن لم يكن للدولة فيه وجود. فالدولة تظهر حيث يظهر انقسام المجتمع إلى طبقات، عندما يظهر المستثمَرون والمستثمِرون. إن الدولة تؤول بالضبط إلى جهاز الحكم الذي ينفصل عن المجتمع البشري. وعندما يظهر فريق خاص من الناس لا عمل له غير الحكم، ويحتاج لأجل الحكم، لأجل إخضاع الآخرين بالعنف، إلى أجهزة ومؤسسات خاصة بالقمع من شرطة وسجون وقانون وجيوش ومؤسسات دينية وإعلامية عندئذ تظهر الدولة. إن الدولة هي في التحليل الاخير آلة لصيانة سيادة طبقة على طبقة أخرى أو علي مجمل الطبقات غير السائدة اقتصاديا. الدولة هي آلة لظلم طبقة من قبل أخرى، آلة الغرض منها أن تخضع لطبقة سائر الطبقات المطوعة الأخرى مهما كان شكل الحكم السياسي وطبيعته ديموقراطيا أم استبداديا.هذا منطلقنا لفهم دور الدولة وينبغي أن نضع في الحسبان أنه بالرغم من أن الدولة هي انعكاس للبناء التحتي ( التركيبة الطبقية الاقتصادية الاجتماعية)، إلا أن هناك تفاعل بين دور البنيان الفوقي والسياسات المتبعة في التأثير علي التوازنات الطبقية وحفز أو كبح اتجاهات التشكل الطبقي ويتم كل هذا من أجل الحفاظ علي المصالح الطبقية للبرجوازية السائدة.

يمكننا توصيف الدولة المصرية بأنها دولة رعوية تتحكم في كثير من الموارد تمكنها من توزيع الهبات والعطايا لتعزيز سلطة حكامها والدولة الرعوية هي الوجه الآخر للدولة الريعية بما تحصل عليها من إيرادات ريعية (البترول والغاز الطبيعي والثروات المنجميةقناة السويسالمساعدات الخارجية) تمكنها من السيطرة والقيام بوظيفتها للحفاظ علي النظام الرأسمالي السائد.

بيد أن نظام الحكم ومنذ نشأة الدولة يتسم سياسيا بالاستبداد والتسلط – نظام سلطوييفتقد لتقاليد الحكم في الأنظمة الديموقراطية والتي تتمثل في رقابة حقيقية للبرلمان المنتخب في إطار انتخابات حرة والافتقاد إلى حرية التعبير والتنظيم وفقا لتصورات الديموقراطية البرجوازية. حقيقة الامر أنه منذ الحقبة الناصرية وحتي الآن تظل مؤسسة الرئاسة هي الأقوى وعلي قمة كل مؤسسات الدولة حيث يتمتع رئيس الجمهورية بسلطات شبه مطلقة وعادة ما يتجاوز كل الأطر القانونية السائدة ولديه من الوزن والثقل لتعديل وإنشاء ما يراه من القوانين والقرارات تنفيذا لإرادته او فرضا لسيادته.

وعلى الرغم من توجهات النظام الحاكم إلي السياسات النيوليبرالية منذ نهايات حكم مبارك إلا أن اعتماد النظام الاستبدادي هذا علي العطايا (المتمثلة في أجور ومرتبات وحوافز ومنح أراضي وامتيازات اقتصادية وتوزيع وفقا لرؤيته للإنفاق العام بالإضافة إلي دعم السلع والخدمات) لفرض سيطرته علي المجتمع قلصت قدرته علي تخفيض الانفاق العام وعلي تقليص أعداد البيروقراطية في جهاز الدولة مما فاقم استمرار عجز الموازنة العامة للدولة حتى بلغت 255.4 مليار جنيه وفقا لآخر حساب ختامي 2013/2014.

4- تحليلنا للسلطة الحاكمة الآن لابد أن ينبع من دراسة للواقع الاقتصادي والاجتماعي، وفي اعتقادي أن السلطة الحاكمة تعبر عن التوازنات الحالية بين مختلف شرائح البرجوازية الكبيرة من كبار رجال المال والصناعة والتجارة والاستثمار العقاري (وكلاء الشركات والمؤسسات الدولية العملاقة في قطاعات التجارة والخدمات وخاصة المالية والمصرفية وبعض قطاعات الصناعة) والبيروقراطية العسكرية والمدنية .

يمكن أن نرصد الوزن النسبي المتزايد للبيروقراطية المدنية والعسكرية وخاصة الشرائح العليا من البيروقراطية المدنية (20% من العاملين بالدولة يستحوذون علي 60% من بند الأجور المدرج بالميزانية، بالإضافة إلي التفاوت الهائل في دخول كبار العاملين سواء بالفساد أو بالتحايل على القوانين واللوائح التي تضع حدودا عليا لرواتب ودخول موظفي الدولة). من جانب آخر، البيروقراطية العسكرية تتمتع باستقلالية مالية متزايدة بعد السماح للمؤسسة العسكرية بتعبئة مواردها الخاصة من خلال الاستثمار الواسع في مجالات الاستثمار والأعمال المدنية.

إن تضخم الجهاز البيروقراطي يمثل أحد الركائز الهامة في السيطرة السياسية للنظام الحاكم من خلال ربط مصير الملايين من العاملين من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة من خلال التحكم في مقدرات حياتهم ومن ثم توظيفهم لدعم النظام في المعارك الانتخابية من جانب وفي تحصيل جانب من الإيرادات العامة لجهاز الدولة ضمن وظائف أخرى لجيش الموظفين هذا.

جزء من التراكم المالي الذي تحققه البيروقراطية المصرية المدنية منها والعسكرية ساعد علي تشكل شريحة من الرأسمالية المصرية من عائلات وأبناء كبار المسئولين تلعب دورا في الاستثمار المالي والعقاري وأنشطة البورصة وصولا إلي التوكيلات التجارية وأعمال السمسرة والوساطة في صفقات فاسدة مع الدولة (صفقات الحبوب – توريدات مختلفة لمؤسسات الدولة والهيئات الاقتصادية والإعلامية – تخصيص الاراضي والمضاربات عليها … إلخ.

ومن ثم فهنالك تزاوج بين البيروقراطية والبرجوازية الكبيرة تارة بالتنسيق والمشاركة وأخرى بالمنافسة والصدامات في السوق مما ينتج تعديلا دائما في توازنات وقوة الشرائح المختلفة خاصة إذا وضعنا في الاعتبار العلاقات المتشابكة بين شرائح مختلفة من كبار الرأسماليين المصريين مع الشركات العالمية متعددة الجنسيات خاصة في مجالات النقل والتوزيع والتعبئة وإنتاج السلع الاستهلاكية.

تحافظ النظم السلطوية علي بقائها وتجددها ليس فقط بواسطة القمع ولكن أيضا بفضل المال حيث يمكن شراء رضاء بعض الشرائح الاجتماعية وضمان هدوء البعض الآخر. وفي حالة الأنظمة الريعية، يكون الاعتماد علي المال أكثر أهمية ومن ثم فدراسة إيرادات ونفقات الدولة تأتي في قلب تحليل النظام السياسي الحاكم.

5- يأتي نظام السيسي استمرارا لنظام مبارك ومعبرا عن مصالح البرجوازية المصرية، لكن من المفترض أن يقوم أي نظام سياسي جديد بإجراء تعديلات علي أجهزة الدولة حتى تنجح في الاستجابة لمشروعات هذا النظام وهو ما يروج له بإعادة بناء الدولة أو إعادة تأسيس الدولة، وعلينا أن نتوقع مزيد من التوسع في الاعتماد علي شرائح البيروقراطية العسكرية سواء كعاملين في مختلف أجهزة الدولة أو كمؤسسة في المشروعات التي يخطط لإقامتها هذا من جانب.

من جانب آخر، يستغل نظام السيسي ثمار الصراع مع تيارات الاسلام السياسي وحالة الرفض الشعبي لمشروعهم الطائفي موظفا هكذا رفض لحالة الحرب علي الارهاب بما يخدم نظامه السلطوي لتمرير إجراءات تقشفية وفقا لتوجهات المؤسسات الدولية المختلفة ومحجما كافة الحريات السياسية والنقابية، لحصار أي تطور محتمل لتنامي حركة جماهيرية مستقلة في مواجهة نظامه.

بيد أن امكانية النجاح محفوفة بالمخاطر في ظل ازمة اقتصادية واجتماعية وتزايد معدلات الفقر والبطالة والتضخم المؤدي إلي ارتفاع جنوني في مستويات أسعار السلع والخدمات. ولإمكانية نجاح مشروعه عليه أن يقدم بعض من الاصلاحات والتنازلات لصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة. وهنا تأتي ضرورة تعزيز موارد الدولة الريعية سواء من خلال مشروعاته الاقتصادية المطروحة أو من خلال تنامي المساعدات الخارجية من الدول وخاصة الخليجية وأيضا من رجال أعمال خليجيين.ويمكن تتبع بعض توجهات النظام من خلال تصريحات مختلفة لوزير الاستثمار آخذين في الاعتبار القرارات التي اتخذها السيسي لحل النزاعات مع المستثمرين العرب من خلال لجنة حكومية لجنة فض المنازعات مختصة بعيدا عن القضاء والتي شرعت بالفعل في التفاوض مع المستثمرين.

فقد أكد وزير الاستثمار أشرف سالمان، أنه تم حل 40% من مشاكل المستثمرين، مشيرا إلى أن الدولة تركز جهودها لحل معظم مشاكل المستثمرين الرئيسية قبل انطلاق المؤتمر الاقتصادي العالمي في شرم الشيخ مارس 2015.

وفيما يخص مشاكل المستثمرين الخليجيين، قال سالمان إن مشاكل ماجد الفطيم وعمر الفطيم وإعمار تم حلها بالكامل، موضحا أن مشكلة شركة نوباسيدالسعودية شارفت على الحل.

وحول مشكلة الشركة المصرية الكويتية الخاصة بأرض العياط والبالغ مساحتها 26 ألف فدان، قال إنه تم عرض توصيل المياه لأرض الشركة للبدء في استصلاحها وزراعتها، ولم نتلق إجابة من الشركة على ذلك، وإنه تم أيضا عرض تسوية مع الشركة لتحويل الأرض إلى عقارات مقابل 47 مليار جنيه ولم نتلق ردا على هذا المقترح أيضا“.

وبشأن المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ مارس 2015، قال وزير الاستثمار إنه سيتم تقديم مصر بصورة مختلفة في هذا المؤتمر، موضحا أنه تم اختيار مكتب لازارالعالمي كمنسق عام فني للمؤتمر، مشيرا إلى أن هذا المؤتمر يهدف بالأساس إلى ترويج المشروعات الاستثمارية في مصر والتواجد بزخم على الخريطة الاقتصادية العالمية.

ونوه بأن هناك مشروعات جاهزة للطرح خلال المؤتمر الاقتصادي العالمي بنظام الـ ppp بمعايير البنك الدولي وتشمل مشروعات طرق وصرف صحي ومياه.

وأضاف سالمان أنه سيتم طرح رخص جديدة لمصانع أسمنت خلال الفترة القادمة لأن الإنتاج الحالي من الأسمنت 8 ملايين طن ومصر في عام 2020 ستحتاج إلى 12.5 مليون طن“.

ومن المتوقع ان يتم طرح حزمة من المشاريع الاستثمارية في مصر نجملها في :

تنفيذ مشروعات تنموية كبري مثل مشروع تنمية قناة السويس تتمحور حول إنشاء قناة موازية يبلغ طولها 72 كيلو مترا، منها 35 كيلومترا حفرا جافا و37 كيلومترا توسعة وتعميق للقناة الأصلية. علما أن طول القناة الأصلية يبلغ 190 كيلو مترا. وتتضمن خطة تنمية القناة 42 مشروعا، منها 6 مشروعات ذات أولوية، وهي:

· تطوير طرق (القاهرة السويس) و(الإسماعيلية بورسعيد) إلى طرق حرة
· إنشاء نفق الإسماعيلية الذي يمر بمحور السويس للربط بين ضفتي القناة (شرق وغرب)
· إنشاء نفق جنوب بورسعيد أسفل قناة السويس لسهولة الربط والاتصال بين القطاعين الشرقي والغربي لإقليم قناة السويس
· تطوير ميناء نويبع كمنطقة حرة
· تطوير مطار شرم الشيخ وإنشاء مأخذ مياه جديد على ترعة الإسماعيلية حتى موقع محطة تنقية شرق القناة لدعم مناطق التنمية الجديدة.

وكذلك إقامة مطارين، وثلاثة موانئ لخدمة السفن، ومحطات لتمويل السفن العملاقة من تموين وشحن وإصلاح وتفريغ البضائع، وإعادة التصدير، وإقامة وادي السيليكون للصناعات التكنولوجية المتقدمة، ومنتجعات سياحية على طول القناة، إلى جانب منطقة ترانزيت للسفن ومخرج للسفن الجديدة، مما سيؤدى إلى خلق مجتمعات سكنية وزراعية وصناعية جديدة ستوفر ما يزيد عن مليون فرصة عمل للشباب المصري. وكان من المقرر أن تدوم فترة تنفيذ المشروع ثلاث سنوات لكن الرئيس المصري طلب من المسئولين عن تنفيذ المشروع تقصير هذه الفترة إلى عام واحد فقط.

نحن أمام مشروع متكامل للاستثمار والاستغلال الرأسمالي المرتبط عضويا بالاقتصاد العالمي والمعاني من أزماته والتابع لسياساته الاقتصادية والمالية وانحيازاته السياسية في مواجهة ملايين العمال والفلاحين والفقراء والمهمشين.

في حقيقة الأمر، مثل هذه المشروعات لا تطرح أفقا لتنمية اقتصادية حقيقية تلبي الاحتياجات الحقيقية للجماهير من غذاء ومأوي وعمل وما تفترضه التقديرات المصاحبة لخلق ما يزيد عن مليون فرصة عمل أمر مشكوك في حدوثه ناهيك عن أنه لا يقدم طرحا محددا لمشكلة البطالة والتي تقدرها الاحصاءات الرسمية بـ13% من السكان و25% من الشباب القادر علي العمل. هذه المشروعات تهدف إلى مزيد من تراكم رأس المال في يد حفنة من الرأسماليين المحليين والمستثمرين الأجانب بالإضافة إلى إيرادات الدولة ولن تقدم كثيرا للخروج من معضلات الفقر المدقع وتدهور مستويات المعيشة.

من الملفت للانتباه أن هذه المشاريع لم تتوجه بأي أفق لإصلاح أو استثمار اقتصادي في الريف القائم بكل معاناته وتخلف أدوات إنتاجه ومستوى معيشة غالبية سكانه من العمال الزراعيين وفقراء الفلاحين ومشروعات استصلاح الأراضي أو المجتمعات الزراعية الجديدة المزمع طرحها لا تتقاطع مع معضلات القرى الحالية ومشكلات فلاحيها.علي النقيض من ذلك، يتم تطبيق الضريبة العقارية علي عقارات الفلاحين كما تم رفع القيمة الإيجارية للفدان من أراضي الأوقاف من 1000 جنيه إلي أربعة آلاف جنيه سنويا للفدان محملا عبئا لا يستطيع صغار الفلاحين سداده مما يهدد بطردهم من الأراضي مستقبلا أو نهوض ردود أفعال وصراعات وربما هبات ريفية لمواجهة قرار السلطات الحاكمة في ظل تدهور عوائد الأرض الزراعية، وربط ذلك بارتفاع أسعار السماد والبذور والمبيدات مع انخفاض أسعار بيع الحاصلات الزراعية.

تبني برنامج في الريف يناقش تصورنا لحل مشاكل الزراعة والفلاحين الفقراء أصبح أمرا ذو أهمية بالغة ونحن علي اعتاب الانتخابات البرلمانية القادمة.

6- سيظل أيضا تزايد الدين الخارجي والداخلي محورا هاما لزيادة الايرادات بما يسمح بمواجهة النفقات العامة التي تستلزم إعادة تأسيس أجهزة دولته وخاصة القمعية منها.

إن مراجعة لأرقام المديونية العامة للدولة تكشف حقيقة دور رأس المال المالي مصري وأجنبي، وقد وصل الدين العام إلى ما يقرب من 95% من الناتج القومي الإجمالي، وتأتي خدمة هذا الدين لتشكل مزيدا من الإفقار لغالبية المصريين من العمال والفلاحين وكافة الشرائح الاجتماعية المهمشة والفقيرة. لقد حدد الاتحاد الاوروبي أن نسبة الدين الإجمالي يجب ألا تتجاوز 60% من الناتج المحلي الاجمالي وأن تخطي هذه النسبة مدعاة للقلق.

ولا يزال مارثون إصدار سندات وأذون الخزانة مستمرا، من خلال الإعلان الأسبوعي لوزارة المالية، باقتراض من 5 إلى 7 مليارات جنيه، وحقيقة الأمر أن الهيئات والمؤسسات الدائنة للحكومة المصرية لا تحصل على أصل الدين، لأنه يعاد تدويره من خلال شراء أدوات الدين الجديدة.

بيد ان معظم الايرادات العامة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة يتحمل عبئها جماهير الفقراء ناهيك عن نهب نتاج عملهم من قبل المؤسسات المالية العالمية كنتاج للديون الخارجية وفوائد هذه الديون (خدمة الدين العام).

لا نتوقع زيادة في الضرائب المباشرة علي الدخل لفرض ضرائب تصاعدية علي الافراد والشركات، وذلك لتعارضها مع توجهات النييوليبرالية والتي تفترض تخفيض الضرائب للسماح بتراكم رأس المال واستثماره لخلق وظائف جديدة وهو ما لم يتحقق في واقع الأمر خلال حكم مبارك، وعليه سيظل الاقتراض والمساعدات الخارجية أحد الادوات الهامة لتمويل عجز الموازنة.

7-جاء نظام السيسي منفذا لهذه السياسات في ظل غياب بديل يعبر عن مصالح الطبقات الكادحة يتصدر النضالات الجماهيرية ويشارك الجماهير في مسيرتها لانتزاع حقوقها وموظفا التضليل الاعلامي وكافة مؤسسات الدولة للحرب علي الإرهاب وتدعيم الآلة البيروقراطية للدولة. إن خطط التنمية المطروحة هي عينها سياسات نظام مبارك والإمبريالية العالمية والتي تعكس في التحليل الأخير سيادة لرأس المال المالي العالمي وشركائه المحليين (مختلف شرائح البرجوازية الكبيرة).

إن التوجه نحو الاقتصاد الحر لا يعني تراجع دور الدولة في التدخل في مجال الحياة الاقتصادية بل أنه أصبح أحد الادوات للحفاظ علي مصالح البرجوازية وتمهيد التربة للتراكم الرأسمالي ولقمع واستغلال العمال وفقراء الفلاحين والبرجوازية المتوسطة والصغيرة. الموازنات العامة والإنفاق العسكري وآلات القمع المختلفة مباشرة وغير مباشرة تعتبر تجسيدا للدور الطبقي للدولة مستغلة كافة الوسائل لإجهاض اي تطور لحركة جماهيرية تناهض الاستغلال الرأسمالي. الدولة هي المايسترو المنظم للسيادة الطبقية للبرجوازية وحماية المصالح العامة للاستغلال الرأسمالي.

7-تعبيرا وانعكاسا لعجز البرجوازية المصرية عن حل المشكلات العضال الاقتصادية والاجتماعية (تدهور مستوي المعيشة وارتفاع أرقام الفقراءتدني الخدمات الصحية والتعليمية والإسكان ارتفاع الأسعارالبطالة المزمنة تخلف الريف عن المدينة في كافة المجالاتتلوث البيئة وإهدار الثروات الطبيعية .. إلخ). لا تملك البرجوازية سوي القمع المنظم وذلك من خلال حرمان الجماهير من أدواتها النضالية: أحزاب – نقابات – منظمات أهلية وحقوقية – حرمانها من حقها في التجمع والنشر والتعبير والإضراب والاعتصام، بالإضافة إلى التضليل الأيديولجي الذي يكرس النهب والاستغلال الطبقيين.

8- إن تأجيل الانتخابات حتى الان هو بالطبع دليل علي حجم التناقضات داخل الطبقة الحاكمة وشبكات المصالح، وعدم قدرة السلطة علي حسم خيارها فيما يخص ممثلها السياسي، لأسباب لها علاقة بحجم التناقضات والصراعات داخل الطبقة ولها علاقة بالرفض الشعبي لطبقة مبارك السياسية (التي أعلنت ثورة يناير عمليا وفاتها كحلف متماسك علي الأقل ) ولها علاقه أيضاً بالمهام اللي طرحتها السلطة علي نفسها.

في تقديرنا، إن البرجوازية الحاكمة ورغم استغلالها تيارات الإسلام السياسي كوقود لإشعال الحرب علي الإرهاب في سبيل تعزيز ألتها القمعية وإحكام السيطرة علي مجمل المجتمع، إلا أن توظيف التيارات الرجعية في إجهاض تطور الحركة الجماهيرية سيظل خيارا مطروحا أمام السلطة الحاكمة حال استتباب الامر لآلتها القمعية ومن ثم تنطلق دعوات المصالحة مع هذه التيارات.

إن تبلور قطب ديموقراطي في الساحة السياسية والشارع كفيل بأن يقطع الطريق علي توغل النظام السلطوي الحاكم شريطة أن يكون تبلور هذا القطب مرتبطا بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية لمختلف الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة.

9- إن تاريخ الثورة هو بالدرجة الأولى تاريخ اقتحام الجماهير إلى عالم التحكم في مصيرها الخاص. وهذا هو المعنى العميق للثورة المصرية، التي هزت، مثل كل ثورة عظيمة، المجتمع من أعماقه، فقد أعطت صوتا وقالبا لآمال الجماهير في حياة كريمة ومستقبل أفضل. فعلي الرغم من سعي السلطة الحاكمة لقمع الجماهير وإرهابها وقطع الطريق أمام تطور حركتها الخاصة إلا أن الجماهير تعلمت بتجربتها الخاصة قوتها وقدرتها علي التغيير. قوة تحدت الرؤساء والسياسيين والشرطة. تعلمت الجماهير فن الانتصار.

بيد أن قطاعات واسعة من العمال وشرائح من البرجوازية المتوسطة والصغيرة تلتقط الأنفاس وترصد نتائج نهوضها ولكن تفاقم الأزمات وضيق سبل العيش سيدفعها مجددا إلى مواصلة النضال من أجل العيش والحرية، وليس مصادفة أن يكون اسم وشعار حزبنا والذي يفرض علينا دورا تاريخيا في طرح برنامج للمطالب الانتقالية (الديموقراطية –الاقتصادية والاجتماعية) ولربط هكذا مطالب بالنضالات السياسية من أجل بناء سلطة الشغيلة والكادحين.

إن حرمان الشعب من حقوقه السياسية والاقتصادية سيثير لا محالة غضب شرائح واسعة من المثقفين وصغار التجار والفلاحين والحرفيين والصيادين الذين يتحملون تعسف الشرطة ومؤسسات الدولة القمعية. إن جميع فئات السكان هذه عاجزة بمفردها عن النضال السياسي لكن عندما ترفع الطبقة العاملة راية النضال ضد الرأسمالية وسلطتها فإن يد المساعدة ستمتد إليها من كل مكان للنضال من أجل الاشتراكية.

9- في أعقاب الحكم ببراءة مبارك ومعاونيه من القتلة والفاسدين من أركان نظامه تتصاعد رياح الغضب وتجدد انتقادات وتساؤلات قطاعات من الشباب حول مصير الثورة وحول خبرة الثورة، وكيف يمكن محاسبة نظام فاسد بقوانينه التي سنها وأدوات سلطته والتي حالت دون محاسبته عل جرائمه في إفساد كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية. علي الحزب أن يأخذ في حسبانه التغييرات في وعي الجماهير وتغيير مزاجها الثوري وإن بشكل جنيني، وأن يوظف توجهاته في الدعاية والتحريض لفضح كل سياسيات النظام وترسيخ مفهوم كيف أن السلطة الحاكمة هي استمرار لنظام مبارك ومن خلفه في الحكم حتى الآن. قد يكون هذا تحولا نوعيا في مسار تطور الثورة بما يحدثه من تراكم في الوعي الجمعي لقطاعات واسعة من الجماهير الغاضبة.

10- من تحديدنا للطبيعة الطبقية للسلطة الحاكمة يجب ان نرفع رايتنا وأن نميزها عن مختلف الرايات. رايتنا هي الاشتراكية بلا مواربة .كيف السبيل لتحقيق رايتنا؟

لن تتمكن جماهير الفقراء من العمال والفلاحين من انتزاع حقوقها سوى عبر بناء مؤسسات سلطتها الخاصة وانتزاع حقها في رقابة الاقتصاد وإدارته ولن يتم ذلك إلا من خلال تبني برنامج للنضالات اليومية الجزئية حول نقاط مطلبية محددة تمثل مجمل الصراع الحادث في كل موقع في المصنع والقرية في المدينة والريف في الأحياء ومختلف مناحي الحياة اليومية.

علي حزبنا أن يبلور ويصيغ هكذا برنامج بالتحام أعضائه بالمشكلات اليومية والمطالب الجزئية في كل موقع، وذلك باستخدام آليات تسهم وتشارك الجماهير في خلق بذور المجتمع البديل بنشر التعاونيات وتنشيط الرقابة الشعبية على أداء أجهزة الدولة .. التعاون مع القوى الديمقراطية لمواجهة الاستبداد ومحاصرة الاستغلال .. دعم حركات سكان الأحياء الفقيرة والحركات النسائية وتحركات العاطلين عن العمل والمطالب الخاصة بالجور والاسعار والحق في التنظيم والصحة والتعليم والسكن.