مقدمة البرنامج

نُشرت في : أبريل 2017

مقدمة برنامج حزب العيش والحرية: الهوية والمهام

حزب العيش والحرية هو حزب اشتراكي جديد يناضل من أجل تجذير الطابع الديمقراطي لثورة يناير وفتح أفقها الاجتماعي باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لبلورة بديل اشتراكي ملائم لعصرنا…

حزب اشتراكي جديد:

حزب اشتراكي… حزب “العيش والحرية” حزب اشتراكي يناضل مع غيره من القوى الاشتراكية حول العالم بهدف تجاوز الرأسمالية وبناء مجتمع جديد يطلق طاقة كل فرد فيه في العمل والإبداع دون تمييز ويضمن إدارة هذا العمل بصورة جماعية ديمقراطية وتوزيع ناتجه لتلبية احتياجات أفراده بما يشمل العيش بكرامة وحرية تتناسب مع مستوى التقدم المتحقق في عالم اليوم: أي باختصار تحويل العمل من مصدر لبؤس الإنسان إلى مصدر لحريته وكرامته وسعادته ورفاهيته. فالرأسمالية، من حيث هي نظام إجتماعي شامل قائم على توجيه كافة جوانب النشاط الإنساني باتجاه تعظيم الربح وتراكم الثروة، محكومة بإعادة انتاج التفاوت الإجتماعي بين أقلية مالكة وأغلبية كادحة داخل البلد الواحد أو بين شعوب العالم ككل، كما أنها محكومة كذلك بالتعرض لأزمات دورية يدفع ثمنها الغالبية الساحقة المستغلة في المقام الأول. وفي طريقها لإعادة انتاج هذا النظام، تحول النخب الرأسمالية في مختلف أنحاء العالم القيم والممارسات والمؤسسات الديمقراطية من آليات لتعظيم سيطرة الإنسان على مصيره إلى آليات لانتزاع ناتج عمله ومصادرة حريته باسم حماية الملكية الخاصة أو المصلحة العامة أو إرادة الأغلبية وبهدف التعمية على واقع التفاوت والقهر الاجتماعي. ثم سرعان ما تفتح الأزمات الحتمية الباب للقوى الرجعية القومية والدينية للانقلاب على تلك الآليات بوصفها، أي تلك القوى، الأقدر دائمًا على تكثيف الاستغلال وانقاذ الرأسمالية من أزماتها المحتومة عبر خداع المستغلين اليائسين باسم استعادة النظام أو روح الأمة أو صحيح الدين أو النقاء العرقي، وهو خداع لا يفضي في النهاية إلا للابقاء على نفس النظام الاجتماعي القائم وأزماته الطاحنة.

حزبنا إذن يناضل من أجل إبداع بديل لهذه الحلقة المفرغة من الاستغلال والأزمات، والتي نؤمن إيمانًا راسخًا أنها ليست قدرًا للإنسانية. يناضل الحزب من أجل بناء نظام إجتماعي يرتكز على إطلاق الإمكانيات الإبداعية للإنسان قبل تعظيم الأرباح وهو ما يعني ملكية وإدارة جماعية ديمقراطية لأدوات وعمليات الانتاج والتبادل تحدد فيها جموع المنتجين في كل موقع انتاجي أو تعليمي أو سكني أولوياتها وسياساتها وتشرف على تنفيذها في أجواء حرّة منفتحة دونما استبعاد لأحد أو تمييزًا ضد أحد، وتنتظم مع غيرها بشكل طوعي لبناء مجتمع ديمقراطي جديد من أسفل لأعلى. بهذا المعنى، فالنضال من أجل كفالة حريات الضمير والفكر والتعبير والتنظيم ومجمل الحريات المدنية والسياسية المتعارف عليها للجميع دونما تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين، وكذلك النضال من أجل تحرر كامل للمرأة في المجالين الخاص والعام، هي أركان أساسية لنضالنا لا تفريط فيها إذ أنها شرط أساسي لتحقيق سيطرة البشر، كل البشر، على مصيرهم وإدارة حياتهم إدارة حرة وديمقراطية بحق والخلاص من عار الفقر والتفاوت الاجتماعي إلى الأبد. هذا الحلم هو ما كافحت وما زالت تكافح من أجله قوى نقابية وحزبية بل وجماعات من الفنانين والمثقفين شمالًا وجنوبًا على مرّ ما يزيد على القرنين من الزمان. ونحن ننتسب لهذا التاريخ النضالي الطويل بانجازاته وانكساراته وخيباته… نتعلم منه ونسعى للإضافة إليه.

اشتراكية عصرنا… لا ننكر أن السعي لبناء هذا المجتمع الاشتراكي قد أسفر في أغلب الأحيان عن تأسيس دولًا رأسمالية ديكتاتورية تحكمها بيروقراطيات متضخمة هي أبعد ما تكون عن صورة المجتمع الذي ناضل وضحى من أجله الملايين، وما مثال الاتحاد السوفيتي والصين عنّا ببعيد. إلا أننا نشدد كذلك على أن انهيار هذه التجارب مع نهاية القرن الماضي، أو تحولها لتبني آليات السوق الرأسمالي بشكل كامل، لم يسفر عن عالم وردي خالي من الاستبداد. بالعكس، لقد أدى إطلاق آليات السوق الرأسمالي من عقالها على حساب آليات الرقابة الشعبية إلى حقبتين يعدان الأعنف من حيث الهجوم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الحقوق السياسية والمدنية، بل وعلى بيئة الحياة الإنسانية في كوكبنا، وهما ما يعرفا بحقبتي الليبرالية الجديدة. ففي مجتمعات الشمال المتقدم، كما في مجتمعات الجنوب، وفي القلب منها مصر، جرى تصفية القاعدة الصناعية التي بنيت بمدخرات ملايين العمال، ثم قادت النخب الرأسمالية هجومًا شرسًا لخصخصة ما تبقى من هذه المدخرات سواء كانت في صورة خدمات عامة أو معاشات، هذا بخلاف السعي لانتزاع المزيد من الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية، التي كانت في الأساس مشاع لكل البشر، لتزج بها في الحلقة المفرغة لإعادة انتاج التفاوت الاجتماعي. ورافق ذلك تحجيم لأشكال التنظيم الديمقراطي من نقابات عمالية وتعاونيات زراعية وجمعيات أهلية ديمقراطية وتم استبدال ذلك كله بصورة مشوهة لديمقراطية منزوعة الروح لا تعني في الممارسة العملية إلا منافسة نخب رأسمالية محافظة على استغلال الشعوب بينما يجري إخراج محددات السياسات الاقتصادية والاجتماعية من دائرة الجدل العام أصلًا. ثم انتهت هذه الدورة المجنونة منذ عام ٢٠٠٨ إلى أزمة دورية جديدة ناتجة بالأساس عن التفاوت في توزيع تلك الأرباح، وهي الأزمة التي ما زلنا نعيش آثارها حتى الآن وتتحمل تكلفتها جماهير المستغلين التي لم تساهم في صناعتها من الأصل. وكالعادة، لا تؤدي الأزمة إلا لانتعاش البدائل السلطوية والرجعية وتقديمها كما لو كانت حلًا بديهيًا. هذ السنوات هي سنوات صعود السلطوية الصينية والروسية ورجعيات الخليج العربي الدينية وأخيرًا اليمين القومي المتطرف في أوروبا الغربية والولايات المتحدة وبعض بلدان أميركا اللاتينية كقوى مهيمنة على السوق العالمي وكنماذج للحكم يجري الترويج لها في مجتمعات الجنوب ومنها مصر.

في مقابل هذين المصيرين – الليبرالي الجديد والسلطوي أو الرجعي الفاحش- لم يتلاشى النضال الاشتراكي من على وجه الأرض ولكنه استمر عبر أشكال تنظيمية جديدة وبعد التعلم من خبراته وهزائمه السابقة. استند هذا النضال المتجدد إلى جمهور من المستغلين يتسع ويزداد تنوعًا باستمرار. فشملت الفئات الاجتماعية الخاسرة من الأزمات الرأسمالية المتتالية فئات إجتماعية من المهنيين أو صغار الملاك، ممن يعرفوا بالطبقة الوسطى، وجدوا أنفسهم فجأة على شفا الانهيار. كما أدى التطور التكنولوجي، واعتماد النمو الرأسمالي في الكثير من الأحيان على قطاعات غير صناعية، إلى تآكل في حجم الطبقة العاملة الصناعية المركزة في أماكن بعينها، وكذلك تآكل وزنها السياسي والنقابي في نفس الوقت، وتفاقم معدلات البطالة والاتجاه إلى الاعتماد على العمل غير الرسمي أو غير المنظم أو الموسمي بشكل ممنهج. فتشير المؤشرات التصويتية مثلًا لأحزاب اليسار الجديدة في الشمال والجنوب معًا إلى اتساع قاعدة ناخبيها لتشمل فئات لم تكن تاريخيًا تعتبر من جمهورها كشباب الطبقة الوسطى أو فقراء المدن من غير الطبقة العاملة الصناعية. وصاحب اتساع قاعدة الخاسرين وتنوعها اتساعًا وتنوعًا في أجندة هذه القوى الاشتراكية وكذلك ظهور أشكال مبتكرة من التنظيم الذاتي لجماهير المستغلين.

فبرزت مثلًا التعاونيات في الكثير من مجتمعات أميركا اللاتينية والقارة الآسيوية كوحدات انتاجية وتمثيلية معًا ولتقدم أشكالًا جنينية للتنظيم الإجتماعي الاشتراكي بعد فشل التجارب الموصوفة بالاشتراكية والتي انتهت إلى سيطرة بيروقراطية متضخمة لم تحقق لا تنمية ولا ديمقراطية كما سبق الذكر، ناهيك عن تضاؤل إمكانيات الطفرات التنموية المعتمدة على سيطرة الدولة على وسائل الانتاج والمناورة على الصعيد العالمي مع تراجع إمكانيات النمو الرأسمالي في العالم بشكل عام وعدم احتمال البيئة الطبيعية للمزيد من التدمير. تنوعت كذلك الحركات الطلابية والشبابية عمومًا الرافضة لأشكال التعليم والتكوين السائدة في المجتمعات الرأسمالية والتي تعدهم ليكونوا مديري ماكينة الاستغلال الإجتماعية دونما حقوق أو مستويات رفاهية توافرت لآبائهم. ظهرت كذلك الحركة البيئية والتي استنفرت للتمسك بحق الأجيال المقبلة في بيئة صالحة للحياة في مواجهة تغول رأسمالي على الأسس المادية للعيش المشترك بين بني الإنسان. توسعت وتجذرت كذلك الحركات النسوية واستطاعت أن تتجاوز بالنضال الديمقراطي حدود المجال العام، من برلمانات ونقابات وغيرها من المواقع التي انتزعت المرأة مكانها فيها بعد عقود من النصال، لتهاجم مرتكزات الاستبداد والاستغلال في مجال الأسرة والعلاقات الجنسية. هذه المجالات خاضعة في تنظيمها لرؤى أبوية محافظة يعاد انتاجها بشكل دائم ونشط – كما نشهد مع صعود السلطويات الجديدة والرجعيات الدينية وأحزاب اليمين المتطرف كما سبق الذكر- لتؤسس شعورًا زائفًا بالاستعلاء والتفوق وتنشئ تراتبيات قائمة على التفاوت والقهر كبديل لواقع الاستغلال والتهميش في مجال العمل والحياة العامة، وتقيم أسوارًا بين جمهور المستغلين بناءًا على النوع أو الميل الجنسي.

أضيفت هذه الأشكال الجديدة للنضال إلى التنظيمات القديمة والراسخة كالنقابات العمالية – مدارس الطبقة العاملة وحاضنتها التاريخية – لتبدع أشكالًا حزبية جديدة أكثر انفتاحًا وتنوعًا وديمقراطية وأقل جمودًا من الناحية الفكرية. تجارب كحزب “العمال” في البرازيل وحركة “ماس” الحاكمة في بوليفيا وتحالف “سيرزا” في اليونان وتحالف “بوديموس” في أسبانيا كلها تجارب استندت لهذا التكوين الجديد المتنوع لجمهور المستغلين و للأشكال المتنوعة من المنظمات الجماهيرية وتناضل من أجل تأسيس بدائلها…. يعد حزبنا نفسه جزءًا من هذا النضال اليساري الجديد، يتعلم منه ويسعى للتأثير فيه.

طريقنا للنضال…تعلمنا من الخبرات التاريخية، ومن هذه التجارب الجديدة، أن إبداع الشعوب لبديلها لن يكون عبر زعماء أو قادة ملهمين ولا عبر طريق الانتخابات الدورية التي تجري تحت شرط إخراج غالبية محددات الحياة من مجال التغيير المحتمل، وطبعًا لن يجري ابداع هذا البديل عبر الانقلابات العسكرية أو ديكتاتوريات الحزب الواحد. إن البديل الاشتراكي في عصرنا سيتشكل عبر ممارسة الجماهير العاملة، منتجة الثروة والحياة في عالمنا، لديمقراطيتها الذاتية في مواقع نشاطها وخلق أنوية لسلطتها البديلة. كما سبق الذكر، فالتعاونيات مثلًا هي نموذج لوحدات سياسية/إقتصادية تدير فيها الجماهير أوجه حياتها المختلفة إدارة ذاتية ديمقراطية. كذلك فتجارب الإدارة الذاتية للمصانع والأراضي الزراعية والوحدات الانتاجية المختلفة طريق آخر متقاطع مع التعاونيات. اتساع هذه النضالات وارتباطها وتراكمها هو الذي سيضغط من أسفل لأعلى حتى يحدث تحولًا نوعيًا في طبيعة عمل مؤسسات الحكم من برلمانات وحكومات ومؤسسات قضائية مختلفة. وهو الذي ينتج ثورات إجتماعية شاملة تحول علاقات الملكية والحكم تحولًا جذريًا في حالة مقاومة هذه المؤسسات للضغوط الشعبية المتراكمة.

دور الحزب السياسي كما نفهمه في هذه العملية يتلخص في حماية ودعم وتنظيم هذه النضالات الجماهيرية وبلورة بدائلها السياسية والإقتصادية. الحزب هنا هو شبكة من المناضلين والسياسيين والمفكرين الذين ينصهرون معًا مشكلين عقلًا جمعيًا لحركة الجماهير تلك ومستودعًا لخبراتها المتراكمة. الحزب السياسي هنا ليس بديلًا عن هذه الحركات الجماهيرية، كما انتهى الحال بغالبية الأحزاب التي رفعت راية الاشتراكية في القرن الماضي، ولا ماكينة لحشد أصوات انتخابية يديرها خبراء محترفون تحت رعاية مؤسسات الدعاية والإعلان. الحزب مؤسسة ديمقراطية قوامها يتشكل من مناضلين قاعديين بالأساس وتعكس في تكوينها تنوع الحركة الجماهيرية نفسه.

حزب من رحم ثورة يناير:

حزب العيش والحرية نشأ من رحم ثورة يناير ويسعى لتجذير طابعها الديمقراطي وفتح أفقها الإجتماعي. ثورة يناير كانت ولا زالت حدثًا مركزيًا ملهمًا لكل القوى الاشتراكية لأكثر من سبب:

في مواجهة الاستبداد… فتح النضال الجماهيري منذ يناير ٢٠١١ لأول مرة منذ عقود طويلة الباب أمام جماهير المستغلين في مصر للتنظيم الذاتي الديمقراطي. فمنذ يوليو ١٩٥٢، والتي قامت بالمناسبة في ظروف أزمة رأسمالية طاحنة كذلك، استقرت معادلة للحكم خلاصتها منع كافة أوجه التنظيم الطوعي الديمقراطي لجماهير المستغلين في مصر. فنشأت منذ هذا الوقت ترسانة تشريعية سلطوية واستقرت أعراف أمنية تناصب أي فعالية طوعية للمواطنين العداء من حيث المبدأ وتقطع عليها الطريق بالتجريم والقمع أو الإفساد والتخريب. حتى مع التحول للتعددية الحزبية المقيدة في نهاية السبعينيات، ظل تشكيل النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والجمعيات الأهلية وغيرها من أشكال التنظيم الديمقراطي أمرًا مقيدًا أو خاضعًا لرقابة أمنية محكمة تفرغه من مضمونه. نشأت هذه المعادلة في البداية بهدف تعبئة الموارد المادية والبشرية اللازمة لقفزة تنموية مستقلة عن مؤثرات السوق العالمي. إلا أن هذه المعادلة في الحقيقة ساهمت في إفشال جهود التنمية تلك، إذ سمحت بتشكل فئات إجتماعية جديدة داخل أجهزة الدولة وخارجها انتفعت من هذه السياسات، التي سميت بالاشتراكية، وحصدت ثمارها وحولت نفسها في مرحلة لاحقة لطبقة رأسمالية جشعة ولصوصية الطابع. وعلى الرغم من تحول التوجهات الإقتصادية للضفة الأخرى من النهر منذ منتصف السبعينيات تقريبًا، وتحويل مصر لمختبر ضخم مورست فيه التجارب الأولى للسياسة الليبرالية الجديدة سابقة الذكر، فالمعادلة السلطوية ظلت على حالها وتحولت لشرط لازم لتأمين نهب ثروات جماهير العاملين في مصر وإعادة انتاج أوضاعهم البائسة. جاءت ثورة يناير لتكسر الذراع القمعية لهذه الطبقة وتشتت محاسيبها الذين ادعوا زورًا تمثيل الشعب المصري في الحزب الوطني وغيره من أحزاب المعارضة الكرتونية، فازدهرت تجارب تنظيمية مبدعة كالنقابات المستقلة في القطاع الصناعي والخدمي وتحركت النقابات المهنية باتجاه إقرار قواعد ديمقراطية لانتخاباتها وإدارتها وتحررت إتحادات الطلاب من الهيمنة الأمنية وجرى انتزاع الحق في انتخاب قيادات الجامعات و الحق في تأسيس الجمعيات الأهلية والتعاونيات. وعلى الرغم من موجة القمع الأمني المنفلت حاليًا، إلا أن هذه التجارب التنظيمية لا زالت تقاوم وتثبت أن البذور التي غُرست في يناير ورويت بدماء الشهداء عصيّة على الطمس. هذه المنظمات الجماهيرية هي الحاضنة الطبيعية للبديل الاشتراكي حتى ولو بدا بعيدًا.

في مواجهة الليبرالية الجديدة… كانت ثورة يناير في أحد أبعادها ثورة على سياسات الليبرالية الجديدة التي رفعت حكومة مبارك الأخيرة لواءها تحت رعاية سيئي الذكر جمال مبارك وأحمد عز. فقوام الشباب المحتج الذي أطلق الشرارة الأولى في ٢٥ يناير كان ضحية هجومًا منظمًا على شبكة الأمان الاجتماعي، المحدودة والقاصرة، التي تشكلت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. فسياسات الليبرالية الجديدة قد أنتجت تفاوتًا هائلًا داخل فئات ما اصطلح على تسميته بالطبقة الوسطى، لتفضى لتشكل شريحة عليا متميزة استفادت من سياسات الليبرالية الجديدة في مقابل أغلبية تتدهور أحوالها باستمرار. فقد افتتح هذا الشباب حياته بتعليم منهار وخدمات صحية شبه غائبة وحياة ثقافية وفنية منعدمة. بالإضافة إلى ذلك كان عليه أن يواجه سوق عمل يشتد توحشًا في شروطه ويقيم على أطرافه جيش عمل احتياطي جبّار يهدد مستقبل أي وافد جديد بعد أن تزايد اعتماد النمو الرأسمالي على العمالة غير المنظمة أو غير الرسمية كما سبق الذكر. كذلك أضافت الهجرة المتزايدة من الريف للمدن، وكذلك تزايد نسبة سكان الحضر بشكل عام نتيجة تراجع الزراعة ونسبة العاملين بها، إلى مشهد تندمج فيه هذه الشرائح الخاسرة من الطبقة الوسطى بشكل متزايد مع فقراء المدن لتشكل جمهرة من سكان الحضر العاملين والمحرومين في مصر، وإن كانت الاختلافات الثقافية والنظرة للذات وأوهام المكانة الاجتماعية لا تزال حاضرًا بقوة في أوساطها. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات انضمت قطاعات من كافة الفئات الاجتماعية التي طحنتها هذه السياسات سواء من العمال الصناعيين ضحايا النهب المنظم للقطاع العام وشروط العمل المجحفة في القطاع الخاص، أو جيش العاملين في القطاع غير الرسمي، أو سكان الريف ضحايا الخلل الفادح في توزيع الثروة وغياب الخدمات الاجتماعية تقريبًا وسيادة السياسات الاحتكارية التي حكمت تعاملاتهم مع القطاع الصناعي والتجاري. باختصار كانت الغالبية العظمى من جماهير الشعب المصري تبحث عن بديل للأوضاع البائسة التي جرّتها عليهم السياسات الليبرالية الجديدة سواء في فترة صعودها أو خلال أزمتها الخانقة وإن كانت الانقاسامات الثقافية القديمة لازالت حاضرة بقوة في صفوفها. ومرة أخرى، يشكل هذا النضال الجماهيري، على الرغم من انقساماته تلك، البيئة الطبيعية الحاضنة للنضال الاشتراكي في أي مجتمع.

في مواجهة الهيمنة الإسلامية… فتحت ثورة يناير الباب للمرة الأولى كذلك أمام نضال ديمقراطي منظم ضد هيمنة التيارات الإسلامية. فمنذ بداية التحول لليبرالية الجديدة في نهاية السبعينيات، ومع اشتداد حدّة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بهذا التحول، برزت التيارات الإسلامية، مستفيدة من تشجيع النخب الحاكمة لها في البداية وبدعم النخب الرأسمالية الرجعية في الخليج العربي، لتطرح نفسها على المراكز الرأسمالية العالمية كبديل سلطوي جاهز للسيطرة على شعوب المنطقة وتأمين دوران عجلة استغلالها. وظفت هذه التيارات كل العناصر الطائفية والمعادية لحقوق المرأة والأقليات والثقافة الديمقراطية في الخطاب الديني، سواء الذي تروجه مؤسسات الدولة كالأزهر أو ذلك المحمول رأسًا من المملكة العربية السعودية، لتصوغ مشروعها السلطوي للنمو الرأسمالي وتقدمه للجماهير كخلاص من أزمة الرأسمالية نفسها على طريقة “وداوني بالتي كانت هي الداء”. لم تسمح الأزمة الاقتصادية الحادة، إلى جانب الطابع العصبوي واللصوصي للنخب الرأسمالية الكبيرة في مصر، بالوصول لاتفاقيات مستقرة و قابلة للحياة مع التيار الإسلامي وفي القلب منه جماعة الإخوان بالطبع، والتي شابت علاقاتها مع النخب الحاكمة فترات من التوتر والتوافق. فانتهى المقام بالسياسة المصرية طوال عهد مبارك أسيرة ثنائية قبيحة بين نخبة النهب والقمع في مقاعد الحكم والنخبة الإسلامية في مقاعد المعارضة. أما القوى الديمقراطية المحدودة فقد كانت محرومة من النشاط كما سبق الذكر نتيجة إغلاق الباب أمام أي تنظيم ديمقراطي طوعي. ومع تفتح إمكانيات التنظيم والتعبئة الديمقراطية منذ يناير بدأ يتشكل تيار مناهض للهيمنة الفكرية الإسلامية على أسس ديمقراطية أصيلة يرى فيها، أي تلك الأسس، دون غيرها حماية لما تبقى من طابع مدني للدولة المصرية. وساهم هذا التيار بفعالية في الانتفاضة المناهضة لحكم الإخوان في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ على الرغم من أن الضعف الفادح في الإمكانيات المالية والتنظيمية لم يسمح لرموزه بلعب أي دور مؤثر في صياغة ملامح مرحلة ما بعد حكم الإخوان قصير العمر وانتهى بهم الحال ضحايا لموجة القمع التالية.

ثورة يناير بهذا المعنى اصطدمت ومازالت بمشروعات ثلاثة تهدف إما لاجهاضها أو احتوائها: مشروع شبكات النهب التي أحاطت بمبارك وولده ومحاسيبهم السياسيين والإعلاميين، المشروع السلطوي الإسلامي وفي القلب منه مشروع الإخوان أو ما تبقى منه، والمشروع الاستبدادي السلطوي الذي ترعاه المؤسسة العسكرية، بالتعاون مع النخبة الأمنية والقضائية الحالية، والذي أتى بالسيسي لسدّة الحكم. تشترك هذه المشاريع الثلاثة في الغايات وتختلف في الوسائل. فبينما يهدف المشروع الأول لاستعادة معادلة مبارك الليبرالية الجديدة بحذافيرها القائمة على النهب المنهجي المنظم لأصول الدولة والمجتمع عبر الشراكة المباشرة مع نخبة الحكم وإطلاق قوى السوق من عقالها دونما رقابة تذكر، يهدف مشروع السيسي إلى تأسيس سلطوية تنتهج سياسة ليبرالية جديدة مهجنة. مشروع السيسي في الحكم هو محاولة لاستنساخ التجربة الروسية في غلق المجال العام أمام نضالات الجماهير العاملة والسعي لإخضاع الفئات الرأسمالية لسطوته وتلطيف جنوحهم اللصوصي ودفعهم للعمل تحت إشرافه المباشر في نفس الوقت، هذا إلى جانب قيام الجيش بدور أقرب لدور القاطرة التي تجر خلفها القطاع الخاص والذي كان يقوم به القطاع العام في السابق. في المقابل، يسعى المشروع الإسلامي لتأسيس دولة متسلطة تصادر الحريات المدنية والسياسية الأساسية للمواطنين وتفرض وصاية على المؤسسات التمثيلية والقضائية باسم الدين، أو باسم الدين والثورة معًا، في حين تبقي على نفس السياسات الليبرالية الجديدة التي تتبناها جماعات مبارك وولده. تطرح المشاريع الثلاثة نفسها على المراكز الرأسمالية في العالم بوصفها مخارج نهائية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها مصر ويحصل كل منها على دعم سخي من مراكز إقليمية بعينها. وتتقاطع المشاريع الثلاثة أحيانًا بقدر ما تتنافس في أغلب الأحيان.

حزبنا واليسار العربي:

تضع الانحيازات السابقة حزبنا تلقائيًا على يسار المجال السياسي في مصر والعالم العربي، أي تضعه ضمن القوى السياسية والجماعات المدنية الساعية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتوسيع نطاقها وفرض قدر من عدالة التوزيع والعقلانية على السياسات الاقتصادية، وهي قوى لا تقتصر بالطبع على التيارات الاشتراكية وحدها إذ تشمل قوى ليبرالية وقومية مختلفة وفي بعض الأحيان قوى ذات ماضي إسلامي أو منشقة عن الإسلاميين. إلا أن حزبنا يتمايز كذلك عن هذه القوى في جوانب أساسية من فكره وممارساته. فمنذ هزيمة الناصرية بطبعاتها المختلفة وتحول النخب الحاكمة المصرية، والعربية عمومًا، باتجاه التبني غير المشروط لآليات السوق الحر، واليسار منفصل عن حاضنته الاجتماعية الطبيعية من جماهير العاملين بأجر وكل القوى الاجتماعية والجماعات الأخرى الخاسرة من سياسات وثقافة الإفقار والاستبداد. يعود هذا الانفصال إلى عوامل مختلفة بعضها موضوعي، وعلى رأسها حصار وتهميش المؤسسات التمثيلية المعبرة عن هذه القوى من نقابات وجمعيات وغيرها، والرعاية الرسمية لبؤر الثقافة الرجعية والمحافظة على حسابها. وبعض هذه العوامل ذاتي يتمثل بالأساس بالارتباط المبالغ فيه باستراتيجيات الدول التي رفعت رايات الاشتراكية خلال ما يقارب القرن من الزمان والعجز عن تجاوز كل من تصوراتها عن التنمية والسياسة الدولية – وهو الارتباط الذى انتهى بالكثير من جماعات اليسار حليفًا لنخب مستبدة وطائفية في المنطقة- وكذلك ثقافتها المستبدة في البناء التنظيمي والعمل السياسي، هذا بخلاف العجز عن إبداع تقاليد بديلة في بناء منظمات جماهيرية وحزبية قابلة للحياة.

إلا أنه وإن اختلفت أسباب هذه العزلة فالنتيجة واحدة وهي استيعاب اليسار تحت واحد أو أكثر من المشاريع السلطوية الثلاثة السابق ذكرها: مشروع الليبرالية الجديدة، مشروع الاستبداد الدولتي (الليبرالي الجديد المهجن) أو المشروع الإسلامي. فمثلًا، تنحاز بعض فصائل اليسار لمشاريع الليبرالية الجديدة تحت دعوى أنها البديل الوحيد المتاح للتنمية والذي يسمح بتفكيك قبضة الدولة على الحياة العامة وتبلور طبقة عاملة شبيهه بالطبقات العاملة في الرأسماليات المتقدمة تشكل قاعدة لنضال اليسار المستقل والمؤجل حاليًا. وعلى الجانب الآخر، ينحاز الكثير من الفصائل اليسارية لمشاريع الاستبداد الدولتي بوصفها الحامي للثقافة المدنية الحديثة ضد هجمة التيارات الإسلامية وكذلك بوصفها الضامن لقدر من العدالة الإجتماعية ضد فوضى السوق. وأخيرًا، ينحاز قطاع من قوى اليسار للمشروع الإسلامي على اعتبار أنه القوة الجماهيرية الوحيدة التي تناضل ضد الاستبداد وأن جمهور اليسار مُجيش في صفوفه أساسًا ومن ثم فالطريق الوحيد لمخاطبته هو بالاصطفاف معه.

لا تعكس هذه الخيارات الثلاثة تنكرًا للمستقر من مبادئ وتقاليد اليسار التاريخية وانعدامًا للثقة في النضال الجماهيري وفقط، ولكنها كذلك خيارات قصيرة النظر ومحكوم عليها بالفشل. فسياسات الليبرالية الجديدة قد نشأت وانتعشت في كنف الاستبداد ولا يمكن أن تستمر إلا بتهميش الغالبية العظمى من السكان. وتذمر بعض النخب الرأسمالية العارض من سياسات الاستبداد ناتج بالأساس عن عدم مشاركتها بعض من ثماره، وهو تذمر سرعان ما تخفت حدته بقدر فتح المجال للشراكه مع نخبة الحكم. أما مشروع الاستبداد الدولتي فثبت تاريخيًا أنه لا يمكنه الاستمرار بدون تدمير كافة المنظمات المدنية الديمقراطية التي تشكل الحواضن الوحيدة المؤهلة لخوض نضال طويل لبناء بديل اشتراكي جديد. كما أن هذا المشروع اليوم لم تعد تتاح له فرص المناورة على الصعيد العالمي التي أتيحت لسلفه الناصري وبالتالي فهو محكوم عليه بالانخراط في مسار إعادة انتاج سياسات الليبرالية الجديدة بطبعات مختلفة، وهو ما يجعله في غنى عن خدمات اليسار “الفكرية” التي احتاجها خلال طوره المسمى بالاشتراكي. أما الاصطفاف مع المشروع الإسلامي فهو يعزل اليسار تلقائيًا عن النضالات النسوية ونضالات الأقليات العرقية والدينية واللغوية، بل وهموم الشباب المهمش والفقير، في عالمنا العربي والتي يشكل المشروع الإسلامي على الأرض مصدرًا أصيلًا من مصادر كبتها وقهرها. هذا بخلاف أن تطورات ما بعد الثورات العربية من حروب أهلية، وما يصاحبها من تحول العالم العربي لساحة تنافس دولي كبرى، قد دفعت القسم الأكبر من الفصائل الإسلامية يمينًا بشكل يجعلها موضوعيًا في خدمة سياسات ومصالح رجعيات الخليج وفي غنى، بدورها، عن أي خدمات قد يقدمها اليسار لها.

في مواجهة هذه الخيارات ينطلق حزبنا من إيمان عميق بإمكانيات النضال الجماهيري المستقل وما يفتحه من آفاق، ويثق بأن ثورة يناير وموجة الثورات العربية، وبالرغم من انحسارها الحالي، قد دفعت بكتل جماهيرية جديدة لساحة النضال الديمقراطي وهي كتل لا تكن أي ود يذكر لأي من المشاريع السلطوية الثلاثة السابق ذكرها. بمعنى آخر، بذرت الثورات العربية بذورًا ليسار عربي جديد مستقل لا يمكن أن يبدأ حياته بالتنكر لها والاستسلام لنزعة تشاؤمية لا ترى أملًا إلا في الاصطفاف مع قوى متسلطة ومحافظة ورجعية كانت ولازالت مسئولة عن بؤس الجماهير العربية وخراب مجتمعاتها.

مهام الحزب النضالية:

يرى الحزب أن الطريق الوحيد لخلق البديل الاشتراكي المتكامل القادر على تجاوز الرأسمالية المأزومة على المدي البعيد في مصر يبدأ من دعم الطابع الديمقراطي والتحرري لثورة يناير وفتح أفقها الاجتماعي في مواجهة المشاريع الثلاثة المتنافسة والمتداخلة وبالإفادة من تناقضاتها الواضحة. ويتحقق ذلك من خلال:

– العمل على تنظيم الجماهير في تنظيمات ديمقراطية طوعية في كل موقع ينشط مناضلي الحزب به من المصانع والأحياء وحتى الجامعات والنقابات. هذه هي المهمة الأولى والمركزية التي تستغرق مناضلينا. وذلك نابع من قناعتنا أن التنظيم المدني الطوعي الديمقراطي للجماهير هو الحاضنة الطبيعية التي تسمح بتخليق البديل الاشتراكي وفرضه فرضًا على مؤسسات الدولة القائمة. ويرتبط بهذه المهمة المركزية النضال لتقديم كافة أوجه الدعم والحماية اللازمين قانونيًا وسياسيًا للمنظمات الجماهيرية الديمقراطية القائمة بالفعل في مواجهة موجات القمع المتكررة والإطار التشريعي السلطوي الحاكم، وذلك عبر الإفادة من كل الأطر القضائية والتمثيلية القائمة علاوة على السعي للنضال في كافة منافذ الرأي العام لكسب قطاعات من الفئات الاجتماعية المترددة والمتشككة في جدوى البديل الاشتراكي والديمقراطي بشكل عام والتي لا زالت تتوهم في نفسها مكانة أعلى من غيرها من المستغلين.

– العمل على خلق بدائل عملية وقابلة للتنفيذ الفوري لسياسات الإفقار والاستغلال والقمع والقهر الأبوي التي اتبعتها النخب الحاكمة قبل وبعد انطلاق ثورة يناير. ويكون ذلك عبر التعلم من نضال الجماهير والإفادة من التراث المتراكم لخبراتها في مصر وباقي أنحاء العالم.

– استغلال الهياكل التمثيلية القائمة من برلمان ومجالس محلية، على قصورها ومحدودية دورها وخضوعها للحصار التشريعي والأمني، من أجل توفير قدر من الحماية للنضالات الجماهيرية القاعدية ومحاولة الترويج لبدائل سياسات الإفقار والاستغلال. إن الحزب يخوض معاركه لانتزاع موطئ قدم داخل هذه الساحات دون الاستسلام لأوهام التغيير عبر هذه القنوات حصريًا، إذ لا تتخلى طبقات وفئات إجتماعية عن أوضاعها المميزة التي تشكلت عبر عقود من خلال الإقناع والحوار داخل الغرف المغلقة وفقط. هذه تصورات مثالية لا تسندها شواهد التاريخ أو تطورات الثورة المصرية نفسها.

– العمل على بناء أوسع جبهة ديمقراطية ممكنة قابلة للحياة على أسس برامجية واضحة. إن نشأة هذه الجبهة هي مسألة حياة أو موت حتى لا تظل تضحيات الجماهير المصرية محكومًا عليها أن تفضي لبدائل سلطوية متنافسة نتيجة الفراغ السياسي الذي لا يجد من يملؤه. إلا أن هذه الجبهة حتى تتوفر لها سبل الحياة والقوة يجب أن تبني على أسس متينة من أسفل لأعلى وليس العكس. ليس من الملح الاندفاع إلى إعلان تحالفات واسعة دون أن يكون لها جذور أو ظهير شعبي يعتد به. مهمة مناضلينا هي العمل على تنسيق جهود القوى الديمقراطية بشكل محلي في كل موقع ينشطون به على النحو الذي يبني الثقة والتفاهم اللازمين للعمل المشترك على المستوى الوطني. كذلك يجب أن يتاح الوقت الكافي حتى تتبلور الأسس البرامجية الواضحة دون الغموض الذي يسمح بانضمام قوى محافظة أو رجعية لمثل هذه التحالفات مما يؤدي لتفجرها سريعًا أو فقدان قطاعات جماهيرية للثقة بها.

– العمل على مد جسور التنسيق والتعاون مع كافة القوى الاشتراكية واليسارية والديمقراطية الجذرية بأشكالها التنظيمية المختلفة والمتنوعة في العالم العربي والجنوب العالمي والعالم بشكل عام والتأثير في رؤاها وبرامجها باتجاه أكثر ديمقراطية واستقلالًا. لقد علمتنا دروس الخامس والعشرين من يناير، وقبلها دروس النضال المصري ونضال الشعوب على مدى أكثر من قرنين من الزمان، أن النضال من أجل بديل حقيقي للرأسمالية العالمية المأزومة التي نعيش في كنفها لا يمكن إلا أن يكون عالميا بدوره. إن نجاح الثورات العربية في افراز حكم ديمقراطي مستقر ونجاح قوى يسارية في جنوب أوروبا مثلًا هي شروط لا غنى عنها لنجاح نضالنا في مصر والعكس صحيح بالطبع.

برنامجنا المرحلي:

تحدثت السطور التعريفية السابقة كثيرًا عن البدائل، والنقاط البرنامجية التي نقدمها في الصفحات التالية هي مجرد ملامح عامة لهذه البدائل سيتكفل النضال القاعدي مع الجماهير بانضاجها. وهذه النقاط البرامجية يمكن إجمالها تحت شعارات أربعة رئيسية.

مواطنة كاملة بدون تمييز… يناضل الحزب من أجل حقوق مواطنة كاملة لعموم المصريين دون تمييز على أساس النوع أو الدين أو العرق أو الأصل الإجتماعي أو الإعاقة. للجميع حقوق مدنية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية متساوية غير منقوصة وهم سواء أمام القانون. ويقتضي ذلك نضالًا لا هوادة فيه من أجل تصفية أوضاع تشريعية وممارسات أمنية ومعتقدات ثقافية تراكمت خلال عقود من هيمنة النخب الحاكمة ومعارضيها الإسلاميين و ساهمت في التفريق بين المصريين ومارست سياسات تمييزية أو طائفية صريحة تعد بحد ذاتها عقبة كؤود أمام أي نضال ديمقراطي أو اشتراكي.

ديمقراطية تشاركية وإجتماعية… يناضل الحزب من أجل ممارسة ديمقراطية تتجاوز حدود الانتخابات النزيهة واستقلال البرلمان والقضاء. نسعي لتأسيس رقابة شعبية فعّالة على عمل هذه المؤسسات نفسها وصولًا لسحب الثقة من أعضاءها، وفتح المجال أمام الجماهير للمساهمة في عملية التشريع والتقاضي بل وفي الإدارة اليومية في مواقع العمل وغيرها من المؤسسات الخدمية. كذلك لا تقتصر الديمقراطية التي يناضل من أجلها الحزب على إقرار الحقوق المدنية والسياسية. فحقوق الانتخاب والترشيح والتعبير وغيرها بدون عدالة في توزيع الثروات والفرص ستبقى محض امتيازات خالصة لأقلية من الشعب المصري، ومن ثم قد تقبل الأغلبية بمقايضتها مقابل أي تحسن في مستوى المعيشة كما حدث ويحدث دائمًا. كما لا يقتصر هذا النضال على السائد من أوضاع تشريعية وثقافية في المجال العام ولكنه يسعى لتصفية مرتكزات الاستبداد في الثقافة الأبوية المحافظة التي تسود الحياة الخاصة وتسم مجمل العلاقات الاجتماعية بطابعها.

تنمية إنسانية مستدامة وإعادة توزيع للثروة… يناضل الحزب من أجل تنمية تعتمد بالأساس على تعبئة المدخرات المحلية ومشاركة القطاعات الثلاثة العام والخاص والتعاوني عبر خطة شاملة يجري تنفيذها وتعديلها تحت رقابة شعبية ديمقراطية في مختلف مواقع الانتاج والخدمات. ونقطة البدء هنا هي إعادة توزيع الثروة عبر آليات تبدأ بالضرائب التصاعدية وتصل للتأميم، إذ أن إعادة التوزيع هذه بحد ذاتها هي الضمانة لتوجيه هذه المدخرات باتجاه أهداف التنمية الشاملة. والتنمية التي نصبو إليها هي تنمية إنسانية بمعنى أنها تسعى لإطلاق طاقات الإنسان في الابداع والابتكار والترقي بما يتطلبه ذلك من إتاحة خدمات التعليم والصحة والبحث العلمي بالمجان وبنفس الجودة للجميع كضمانة أساسية لإطلاق هذه الملكات. وهي كذلك تنمية مستدامة بمعنى أنها تحفظ حقوق الأجيال القادمة بما يقتضيه ذلك من حفاظ على البيئة والموارد الطبيعية المتاحة وضبط استهلاكها في حدود آمنة.

سياسة خارجية مستقلة في خدمة الديمقراطية وأهداف التنمية… يناضل الحزب من أجل سياسة خارجية متوازنة تتعامل مع الجميع من منطلق الندية وبدون الانجرار لفخ التحالفات الإقليمية والتي تتشكل عادة على أسس طائفية أو مذهبية. وهي سياسة خارجية توظف علاقات مصر الدولية لخدمة أهدافها في التنمية الإنسانية المستدامة بما يقتضيه ذلك من تعاون مع دول الجنوب من أجل فرض شروط عادلة للتجارة الدولية وحركة رؤوس الأموال وقوة العمل على الصعيد العالمي. وهي كذلك سياسة خارجية منحازة للتطلعات الديمقراطية للشعوب العربية وغيرها من شعوب العالم وترى في انتشار الديمقراطية في الإقليم شرطًا ضروريًا للاستقرار والنمو.

هذه هي هويتنا وهذا ما نناضل من أجله… ندعوكم للانضمام لنا على درب الملايين ممن سبقونا في مصر وباقي أركان العالم من أجل مستقبل جديد لبلدنا وللإنسانية يخرج بها من دائرة الفقر والحروب والتعاسة… أزماتهم ليست قدرنا… لهم عالمهم ولنا المستقبل…