عشرة أشهر على حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة

بعد مرور ما يقارب عشرة أشهر على حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، لم يعد هناك لبس في أن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي الطرف الأكثر إصرارًا على اشتعال المنطقة وتوسيع رقعة الحرب. يصرح دائمًا نتنياهو وأعضاء حكومته شديدة التطرف برفض وقف إطلاق النار ورفض أي صيغة تهدئة حتى ولو كانت مؤقتة. هذا التعنت الإسرائيلي هو السبب المباشر للمشهد المشتعل في المنطقة، ويدرك نتنياهو أن إيقاف العدوان على غزة هو المفتاح الوحيد للتهدئة.

يرافق ذلك التغطية الدائمة من أغلب الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لجرائم الحرب اليومية بحق الشعب الفلسطيني في غزة. الولايات المتحدة شريك أساسي في حرب الإبادة الجارية كونها الطرف الوحيد القادر على ردع إسرائيل وكبح جماح نتنياهو. كما تتحمل الولايات المتحدة -بجانب إسرائيل- مسؤولية المعاناة اليومية للشعب الفلسطيني من القصف والتعذيب وانعدام سبل الحياة، لدعمها المطلق واللامحدود لإسرائيل.

وصل الأمر إلى حفلة من التدليس قادها نتنياهو في الكونغرس الأمريكي، حيث كرر فيها التوعد باستمرار الحرب حتى القضاء على حماس، وهو يدرك استحالة حدوث ذلك. الحقيقة الجلية بوضوح أن حرب نتنياهو موجهة ضد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، وليس ضد حماس وحسب. الهدف الأساسي لنتنياهو هو إنهاء الوجود الفلسطيني والقضاء على كافة صور التمثيل الفلسطيني، فهو يرفض حماس والسلطة الفلسطينية وكافة الفصائل. كما يرفض كل جهود الوساطة، بل ويهاجم دائمًا أطراف الوساطة مثل مصر وقطر وحتى الإدارة الأمريكية نفسها.

مثل مشهد تصويت الكنيست الإسرائيلي بالأغلبية على رفض إقامة دولة فلسطينية، ردًا على تصاعد الاعتراف بدولة فلسطينية من بعض الدول الأوروبية، تأكيدًا على التماهي بين الحكومة المتطرفة ومع أغلب أطراف المعارضة في إسرائيل تجاه الرغبة في نسف الحق الفلسطيني والاتفاق على إنهاء أي جهود للتسوية حتى ولو كانت غير عادلة. الخيار الإسرائيلي الأول والمعلن هو العدوان وتصفية الوجود الفلسطيني.

إضافة إلى فشل -أو بالأحرى عدم رغبة- المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة في ردع إسرائيل ونتنياهو باتجاه وقف حرب الإبادة الممتدة دون أفق، بصورة يحذر الجميع من كونها ستؤدي لحرب إقليمية واسعة النطاق. الواقع أن الحرب الإقليمية دائرة الآن بصورة أو بأخرى نتيجة دفع إسرائيل المتسارع لهذا المسار. خلال شهر يوليو فقط تم استهداف ميناء الحديدة في اليمن مخلفًا دمارًا كبيرًا، كما اغتالت إسرائيل القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في بيروت، إضافة إلى اغتيال إسماعيل هنية القائد السياسي لحماس في طهران. بخلاف استغلال مأساة استشهاد أكثر من عشرة أطفال في مجدل شمس بالجولان السوري المحتل وتوظيفها في تبرير الاعتداء على الضاحية الجنوبية ببيروت، وهي مأساة لم تُكشف ملابساتها حتى الآن من أي طرف موضوعي. وكان معبرًا مشهد رفض أهالي مجدل شمس لحضور نتنياهو والتظاهر احتجاجًا على محاولته استغلال الواقعة لصالح إسرائيل.

تريد إسرائيل تمديد حرب الإبادة على غزة دون أفق زمني، وتدفع لتحويلها لحرب إقليمية بهدف إخضاع كافة دول المنطقة للتصور الإسرائيلي العنصري تجاه الشعب الفلسطيني، وفرض السيادة لإسرائيل على المنطقة ككل. لا يريد نتنياهو انتهاء مشهد الحرب الحالي دون تصفية تامة للقضية الفلسطينية وإنهاء كافة صور المقاومة لتصوره التوسعي لدولة إسرائيل. التصور الذي عرضه نتنياهو في الأمم المتحدة قبل أحداث 7 أكتوبر يتمثل في دولة إسرائيل الممتدة من النهر إلى البحر.

حرب الإبادة الجارية منذ أكتوبر الماضي على الشعب الفلسطيني، إضافة إلى وجود نتنياهو على رأس المشهد السياسي الإسرائيلي، أنهت بشكل قاطع أوهام مسار أوسلو. وأصبح واضحًا بشكل قاطع ومعلن أن دولة إسرائيل ضد قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، كما أن هذا المسار أصبح غير قابل للتحقق نتيجة تمدد الاستيطان المتسارع عبر السنين في مناطق السلطة الفلسطينية. فضلاً عن إضعاف السلطة الفلسطينية الممنهج وتحويلها إلى مجرد مسمى دون مضمون.

المسار الفعال والمطلوب هو الإنصات للشعب الفلسطيني بكافة مكوناته وفصائله السياسية ودعمه بشكل مطلق، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقياداته وصور المقاومة التي يراها مناسبة. على دول المنطقة دعم إعلان المبادئ الذي جرى توقيعه بين الفصائل الفلسطينية في بكين، والدفع في تنفيذ بنوده رغم صعوبة ذلك في ظل العدوان. وعلى حماس وفتح التخلي عن أوهام السلطة، فالواقع العملي أنهى أي صورة للخلاف والنزاع حول تمثيل الفلسطينيين. حرب الإبادة الجارية حرب وجودية ضد كل ما هو فلسطيني، لذا يجدر بحماس وفتح تغليب المصلحة العامة والدفع باتجاه إنجاز التوافق الفلسطيني على مسار يوحد بين غزة والضفة الغربية ويقرر صور وأشكال المقاومة جماعيًا.