١٠٠ يوم من المعاناة .. ١٠٠ يوم من اللاحياة لنساء غزة

في خضم صورة كبرى شديدة البشاعة، مستمرة لمائة يوم ولا شيء يقول إنها لن تستمر، يسيطر عليها القتل الجماعي والتهجير والإبادة، تتوارى تفاصيل الحياة، أو اللاحياة، اليومية في غزة، لمليوني إنسان على رأسهم الأطفال والنساء والعجائز والمصابون نفسيا وجسديا والمعاقون والمرضى، وعلى هذا النحو تغيب عنا مستويات قد تبدو غير مرئية من المعاناة الصارخة وغير القابلة للإدراك.

في هذا السياق المرعب، تتواتر شهادات سيدات غزة، عن تفاصيل معاناتهن الخاصة إلى جانب الدمار والفقد والإذلال.

هكذا يخضع أهالي غزة للتدمير والإبادة بأحدث المعدات، ونشاهد ذلك عبر أحدث وسائل الاتصالات، بينما يعادون بغدرٍ إلى عصور سحيقة تجاوزتها الخبرة البشرية. فإذا وضعنا جانبا الحرمان من المياه النظيفة والغذاء والدواء كاحتياجات ضرورية وملحة لأهالي غزة، صدمتنا احتياجات آخرى قد تبدو لهول الكارثة على أنها ثانوية، أو لا ترى بالمرة.

تستمر فترة الحيض للنساء من ٣ إلى ٧ أيام، في المتوسط الطبيعي، ناهيك بمن يعانين من نزيف أو إضطرابات هرمونية. فتحتاج الفتاة أو المرأة الواحدة في المتوسط إلى ٣ فوط صحية في اليوم، إلى جانب المسكنات في بعض الحالات التي قد تصل فيها آلام الحيض إلى ما يشبه آلام الولادة.

أمام أعيننا، تضطر المرأة في غزة للمفاضلة بين الشعور بالبرد أو التخلي عن قطعة ملابس متسخة لتحل محل الفوط الصحية. وبينما نحن نساء العالم، اعتدنا في العقود الأخيرة على اللجوء بدلا من الفوط العادية إلى فوط قطنية ناعمة (أعلى سعرًا، حسب قدرة الواحدة منا)، لنتجنب الالتهابات الناجمة عن احتكاك الجلد، تضطر نساء غزة إلى استخدام أقمشة الخيم شديدة القسوة، نظرا لسماكتها وقدرتها على تشرب دماء أكثر دون تسريب، وقد ارتفعت بشكل استثنائي طلبات السيدات على أدوية ومراهم الالتهابات الجلدية.

في حالات التوتر تعاني البالغة من اضطرابات في الهرمونات تؤثر على مدة وشدة الحيض. فما بالنا بالاضطرابات والصدمات الناجمة عن حرب إبادة هائلة ومستمرة دون قيد؟، تضطر الغزاوية إلى تناول أدوية منع الحمل، لتأخير أو منع حدوث الدورة الشهرية، وهو ما يسبب اضطرابات هرمونية ومزاجية شديدة.

تحتاج النساء في فترة الحيض إلى الاستحمام بالماء الدافيء، لتأثيره المهدئ في بعض الأحيان، ولتنشيط الدورة الدموية، تتضطر سيدات غزة إلى اللانتظار في طوابير بالساعات للاستحمام مرة كل أسبوعين، هذا إن تمكنوا داخل حمامات شديدة الاتساخ.

كل من لم يقتل بعد في غزة، يقتل في اليوم الواحد مرات ومرات، وتقتل النساء مرات أكثر وأكثر.