عن الحزب

نُشرت في 23 نوفمبر 2013

من أجل الحفاظ على روح الثورة حية 

أطلقت ثورة يناير طاقات شعبنا وانفتح الطريق أمام الملايين للتعبير عن آرائهم وتنظيم أنفسهم بعد أن نجحت في 18 يوم فقط في الإطاحة برأس النظام وتوجيه ضربة قوية لأجهزته الأمنية ، واقتحمت قطاعات واسعة من الجماهير الساحة السياسية الراكدة وأصبحت طرفا فاعلا في الصراع حول المستقبل ، وبرفع القبضة الأمنية انكشف مدى بؤس وتردي أحوال الدولة والمجتمع بعد عقود من الحكم التسلطي الاستبدادي والصراعات بين أطراف السلطة الحاكمة والتيار الاسلامي الرجعي الذي اتضح أيضا مدى تغلغله في أحشاء المجتمع.

لم يسقط النظام ، تحالف رجال الأعمال والبيروقراطية الأمنية والعسكرية ، وحافظ مجلس طنطاوي على ترسانة التشريعات الاستبدادية وحاول أن يضيف إليها المزيد ، وسعى بالتحالف مع قوى الاسلام السياسي لإجهاض الثورة التي خاضت معارك دفاعية مجيدة عن أحلامها في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية، مما أجبره على تسليم السلطة لجماعة الاخوان التي واصلت السير على نفس الطريق وإن في شكل طائفي ذو ملامح فاشية وبالاستناد لميليشاتهم وليس أجهزة الدولة القمعية فقط، وعادت الثورة للمقاومة وتقديم الشهداء من جديد في ذكرى محمد محمود ثم الاتحادية وذكرى 25 يناير والمقطم وبورسعيد والسويس وغيرها من المحافظات ، حتى كان الثلاثون من يونيو والإطاحة بحكم الاخوان.

ما يميز اللحظة الراهنة بعد 30 يونيو، ليس فقط العودة القوية لنفوذ رجال مبارك في الإعلام والأجهزة الأمنية ولكن سفور سعيهم للقضاء نهائيا على ثورة يناير بدلا من التمسح في شعاراتها كما فعل طنطاوي ومرسي، يساعدهم على ذلك رفض الاخوان وحلفائهم الاعتراف بالهزيمة واستخدام العنف في تظاهراتهم ورعاية العنف الطائفي والعمليات الإرهابية، مما مكن الأجهزة الأمنية التي رفض الإخوان أنفسهم مقترحات تطويرها وإعادة هيكلتها من ارتكاب جرائم في الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة وغيرها دون رد فعل قوي يطالب بمحاسبتها على هذه الجرائم. كما أن تردي الأحوال المعيشية لملايين المصريين في السنوات السابقة التي شهدت آلاف الاحتجاجات الاجتماعية وإصرار السلطة على اتباع نفس السياسات الاقتصادية التي تدفع بالملايين إلى مزيد من الفقر، وتأثر العديد من القطاعات الاقتصادية بعدم الاستقرار السياسي، يدفع بقطاعات واسعة من الجمهور لطلب الاستقرار ولو بأي ثمن وغض الطرف عن الممارسات الاجرامية للأجهزة الأمنية خارج القانون والمعايير الدولية لحقوق الانسان.

تسعى السلطة الانتقالية، غير المتجانسة، لتقديم بعض الرشاوى للفقراء على أمل شراء سكوتهم ولو لفترة تسمح لها بترميم أجهزة الدولة المنهارة دون المساس بجوهر السياسات الاقتصادية المنحازة للأغنياء، في نفس الوقت الذي تحاول تمرير قوانين تكرس لمزيد من الاستبداد مثل مشروعات قوانين التظاهر والإرهاب ، ويستمر تقاعسها عن إصدار تشريعات الحريات النقابية والجمعيات الأهلية وغيرها من التشريعات التي تتلكأ في أروقة الحكومة منذ مجلس طنطاوي وحكومة عصام شرف حتى الآن. وعلى صعيد آخر يجري تعديل الدستور بشكل شبه سري عبر موائمات ومقايضات وتوزيع حصص بغرض تمريره بنسبة معقولة بأي ثمن.

مع تراجع قدرة الاخوان وحلفائهم على التظاهر وفشل محاولاتهم الأخيرة لتعطيل الدراسة في الجامعات، وحتى لو استمرت العمليات الإرهابية، من المرجح أن السلطة المؤقتة ستعبر المرحلة الانتقالية، وسيبقى الملمح الرئيسي للمرحلة الانتقالية هو استعادة الأجهزة الأمنية لسطوتها وعودة الاعتقالات العشوائية والتعذيب والممارسات الاجرامية للداخلية وعودة إعلام الصوت الواحد وتخوين وتجريم كل صوت مخالف مما أدى الى احتلال التيار الإسلامي لموقع المعارض الوحيد. ومع احتمالات ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئاسة، خصوصا إذا لم يتم تحصين موقع وزير الدفاع في الدستور، مما سيعني عمليا فوزه بالمنصب بعد أن جرى فعليا بحكم حملات الدعاية والنفاق تنصيبه زعيما شعبويا. وفي حالة تمرير قانون يغلب الانتخاب الفردي للبرلمان على القوائم مما سيمثل ضربة جديدة للمجال السياسي الوليد ، يمكننا أن نتوقع برلمان أغلبيته من المستقلين “على مبادئ الحزب الوطني الديمقراطي” غير المأسوف عليه.

أما الملمح الآخر المهم بعد الثلاثين من يونيو فهو إعادة تشكيل الخريطة السياسية، فلقد شهدنا كيف تغيرت المواقف ودافع بعض من كانوا يتشدقون بشعارات الثورة عن ممارسات الأجهزة الأمنية أو صمتوا عنها على الأقل، وكيف اندفع آخرون للدفاع عن السلطة الطائفية للإخوان وأعوانهم بحجة الشرعية، وكيف ساير الكثيرون حملات النفاق والتهليل للزعيم الشعبوي المنتظر ، فكان لزاما إعادة فرز الأوراق والسعي لإعادة تجميع المدافعين عن قيم الثورة بعيدا عمن سقطوا خلال المسيرة الصعبة وخاصة داخل تيار اليسار.

الثورة المصرية في أزمة ، حالها حال كافة الثورات والانتفاضات التي اندلعت في الأعوام الماضية من البحرين الى وول ستريت مرورا بليبيا وتونس واليمن وسوريا واليونان وأسبانيا والبرتغال وحتى البرازيل وغيرها. وكلها ثورات رغم التباينات الشديدة كان ورائها بشكل أو بآخر الأزمة الاقتصادية العالمية التي تفجرت عام 2008 ، ثورات تحررية ضد سيطرة رأس المال وهيمنة الأغنياء أفرادا وشركات محلية وعالمية ودولا كبرى على مقدرات الشعوب ، من أجل توزيع عادل للثروة وحق الجميع في التعليم والعمل والسكن والرعاية الصحية ، ثورات ضد الاستبداد من كل نوع وضد هيمنة الأمن واستشراء سطوته وضد الرقابة من كل نوع على حرية الفكر والعقيدة والإبداع ومع المساواة وضد أي شكل من أشكال التمييز على أساس الدين أو الجنس أو الثروة أو غير ذلك ، ثورات مع السلم وضد الحروب ومشعليها ومع حق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية ، ومع مقاومة الشعوب ضد الاحتلال وضد استخدام العنف والإرهاب لترويع وقتل الأبرياء.

هذه هي روح الثورة في كل مكان .. وروح الثورة المصرية كما تمثلت في ميدان التحرير وكل ميادين الثورة خلال الثمانية عشر يوما العظيمة من يناير وفبراير 2011 وحتى الآن ، ومن أجل الحفاظ على روح الثورة حية تبرز الحاجة لبلورة معارضة يسارية قوية تتمسك بقيم الثورة وتدفع في اتجاه تنمية حقيقية لصالح الشعب وتوزيع الثروة لصالح الطبقات الشعبية وتحقيق الديمقراطية التشاركية والقضاء على كافة أشكال التمييز، لهذا يدعو المجتمعون اليوم إلى العمل على تأسيس حزب العيش والحرية (اسم مؤقت) كتنظيم يبنى عبر نضالاته وسط الحركة الجماهيرية في القطاعات والمحافظات المختلفة ويقدم لها البدائل السياسية المطلوبة، كيان متفاعل مع هذه الحركة من خلال تنظيم منفتح ومرن يتيح لأعضائه حرية الحركة وإطلاق المبادرات، ويقبل تعددية التيارات اليسارية داخله ويدير خلافاته السياسيةعبر وسائل وقنوات ديمقراطية منفتحة وشفافة.