نحو قانون جديد لتنظيم الجامعات المصرية

هذه الورقة هي واحدة من ضمن الأوراق التي قدمها حزب العيش والحرية “تحت التأسيس” إلى الحوار الوطني.

للإطلاع على الأوراق الأخرى، اضغط هنا

قواعد وأحكام تشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج. وحرية البحث العلمي ومتطلباتها.

تواجه حرية التبادل العلمي بين المجتمع الأكاديمي المصري ونظرائه في الخارج خلال السنوات الماضية عقبات وتحديات تقف حائلًا أمام الاستفادة من الخبرات والتعاون المشترك بين الأساتذة والباحثين المصريين وزملائهم الأجانب.

لن نطيل في شرح أهمية حضور المؤتمرات العلمية والاشتراك في مشاريع بحثية علمية واستضافة المحاضرين الأجانب في الجامعات المصرية، فكلنا ندرك مدى محورية الدور الذي يلعبه هذا التعاون بالنسبة للبحث العلمي في ظل تدني نسب الإنفاق الحكومي عليه.

نعتقد أنه من المهم التركيز على العقبات التي تقف أمام حرية التبادل العلمي بين أعضاء هيئات التدريس والباحثين المصريين ونظرائهم الأجانب، فيما يلي تلخيص أهم ثلاث تحديات في هذا الشأن. عقباتين إداريتين وثالثة قانونية.

القرارات الإدارية المقيدة لحرية التبادل العلمي.

صدرت خلال السنوات الماضية عدد من القرارات الإدارية عن وزير التعليم العالي وعدد من رؤساء الجامعات تهدف إلى تقييد استضافة المؤتمرات العلمية الدولية أو سفر أعضاء هيئة التدريس.

كان أول قرار أصدره وزير التعليم العالي، وائل الدجوي، بتاريخ 17 أبريل 2017، في خطاب موجه إلى رؤساء الجامعات، حمل الخطاب توجيهًا من مجلس الوزراء بعدم جواز عقد أو استضافة أي مؤتمر دولي في مصر إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الخارجية والتنسيق معها في كل ما يتعلق بالنواحي الإدارية والتنظيمية.

وتلى ذلك قرارات من رؤساء جامعات دمنهور، طنطا، القاهرة، عين شمس. تتضمن نفس المضمون الذي يحظر التوقيع على بروتوكولات أو اتفاقيات مع أي جامعة أجنبية داخل كليات الجامعة، إلا بعد الحصول على موافقات من وزارة الخارجية والجهات الرقابية والأمنية، و كانت التصريحات التي خرجت عن رئيس جامعة دمنهور، التي ترجع هذا القرار إلى الخوف من “اختراق البلد من خلال البعثات الخارجية، ولأن معظم المشاريع المقدمة من الجهات الأجنبية وراءها أغراض تضر بالبلاد” عكست هذه القرارات والتصريحات رؤية المسؤولين عن التعليم الجامعي حول التواصل العلمي الدولي وكيفية خضوعه للموافقة الأمنية والرقابية. وهو ما يتعارض بشكل واضح مع مبدأ استقلال الجامعات وحرية البحث العلمي.

تشترط إدارات الجامعات المصرية إجراءات إدارية تدفع الكيثر من الجامعات الأجنبية ومراكز الدراسات المهتمة بتنظيم مؤتمرات بحثية ومشاريع مشتركة لإقامة هذه الأنشطة في دول أخرى في المنطقة، أو إقامتها بالتعاون مع الجامعات الأجنبية العاملة في مصر، حيث بطلب من منظمين المؤتمرات أو المحاضرات العلمية المشتركة مع أكاديميين أجانب إرسال جوازات سفر الضيوف قبل موعد الإنقعاد بشهر على الأقل للحصول على الموافقة الأمنية وكثيرًا ما يرفض الأساتذة الأجانب الخضوع لهذا الإجراء الأمني الغير مبرر. هناك العديد من الشهادات عن إلغاء استضافة الأكاديميين الأجانب في محاضرات أو مؤتمرات علمية داخل الجامعات المصرية. ومن شأن تعزيز وتشجيع إقامة هذه الفاعليات العلمية وتبادل الخبرات بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية أن يسهم في رفع المستوى المعرفي والعلمي للباحثين المصريين ويساعد الجامعات في القيام بدورها في خدمة المجتمع بتقديم الحلول والبدائل العلمية لتحديات المجتمع ومن شأن السماح بتعدد الآراء العلمية المبنية على الأدلة أن يوفر خيارات مختلفة نفتقدها بشدة الآن لصناع القرار في الجهات الرسمية.

الموافقة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية كعائق أمام حرية البحث العلمي.

يمثل اشتراط الحصول على الموافقة الأمنية قبل سفر أي عضو في هيئات التدريس بالجامعات المصرية، أحد أهم التحديات أمام الاستفادة من الانفتاح الأكاديمي على المجتمع العلمي الدولي، وتعزيز قدرات الأساتذة والباحثين المصريين وتطوير المناهج الدراسة داخل الكليات المصرية.

بدأت إدارات الجامعات في عام 2014، اشتراط الحصول على الموافقة الأمنية قبل موافقتها على طلب سفر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، بالمخالفة لقانون تنظيم الجامعات، الذي يعطي لإدارات الجامعات والكليات الحق في تنظيم شئونها الداخلية، ويعطي لمجالس الأقسام العلمية مهمة التنسيق مع أعضاء هيئة التدريس قبل سفرهم في المؤتمرات الدولية وورش العمل والندوات خارج مصر.

بالرغم من صعوبة رصد كافة الحالات التي لم تتمكن من السفر بسبب عدم الحصول على الموافقة الأمنية، نتيجة تخوف أساتذة الجامعات من الإعلان عن هذا الانتهاك خوفا من الملاحقة الإدارية عالاقل. إلا هناك عدد من الحالات الدالة على التأثير السلبي لإضافة خطوة إضافية على موافقة مجلس القسم وإدارة الجامعة، في 2015 كشف الدكتور نبيل لبيب يوسف، أستاذ متفرغ بكلية العلوم بجامعة القاهرة، وفقا لشهادته المنشورة مع مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أنه توجه خلال استكماله ﻷوراق سفره إلى المجر والمقرر له في الفترة من 6 إلى 30 يونيو 2015، إلى إدارة الإشراف المشترك التابعة لوزارة التعليم العالي، لتسليم موافقة جامعة القاهرة على سفره في مهمة علمية لمتابعة اﻹشراف على رسالة دكتوراه لطالب مصري في المجر ممولة من قِبَل وزارة التعليم العالي. وهناك فوجىء الدكتور يوسف بالمسئولين عن متابعة إجراءات السفر في وزارة التعليم العالي، يخبرونه باشتراط الحصول على موافقة الجهات الأمنية قبل السفر”.

بعد ذلك أبُلغ الدكتور نبيل من المسئولين بوزارة التعليم العالي، في 14 مايو 2015، بأنه بدون الموافقة اﻷمنية لا تستطيع وزارة التعليم العالي الموافقة على السفر أو دفع تكلفته، وذلك بناءً على تعليمات شفهية من السيد عبد الخالق، وزير التعليم العالي آنذاك.

وفي واقعة أخرى حدثت في نوفمبر 2015، بعد تقدم المدرس بكلية الهندسة بجامعة عين شمس، بطلب إلى مجلس قسم هندسة الآلات والقوى بالكلية بالموافقة على إجازة للاشتراك في منحة مقدمة من هيئة فولبرايت مصر. ووافق القسم على طلبه. وحصل على موافقة مجلس الكلية على منحه إجازة براتب، ثم وافق القائم بأعمال رئيس الجامعة على السفر في المنحة بشرط “ألا تتخذ إجراءات السفر إلا بعد ورود الموافقة اﻷمنية”، بحسب خطاب الموافقة الرسمي الذي تسلمه سليمان.

في هذه الحالة لم تعترض الجهة المنوط بها الموافقة على السفر، إنما لم ترد على طلب سليمان حتى موعد السفر في 6 يوليو 2016، لذلك امتنعت جامعة عين شمس عن إصدار موافقتها النهائية على السفر.

ويطلب من عضو هيئة التدريس الراغب في السفر سواء كان لغرض دراسة أو حضور مؤتمر علمي أو حتى إجازة شخصية في ملء أربع استمارات أمنية يشرح فيها تفاصيل الغرض من السفر ومحتوى المؤتمر أو الدراسة ومدى مساهمته فيه، وتُرسل الجامعة الاستمارات إلى الإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات بوزارة التعليم العالي. وتعلق الجامعات موافقتها النهائية على وصول الرد من هذه الإدارة.

المنع من السفر والتضييق على البحوث الميدانية.

يشكل المنع القانوني من السفر إلى الخارج للدراسة أو استكمالها، عائقًا أمام عدد من الباحثين والأكاديميين المصريين، خلال السنوات الماضية واجه انتهاك يتمثل في القبض على طلاب ماجستير ودكتوراة أثناء عودتهم لقضاء إجازة في مصر.

في 23 مايو 2018 ألقي القبض على باحث الدكتوراه بجامعة واشنطن، وليد سالم الشوبكي، بعد لقاءه بدكتور القانون محمد نور فرحات، ضمن البحث الميداني الخاص برسالة الدكتوراه حول نشأة النظام القضائي المصري، ظل سالم قيد الحبس الاحتياطي أكثر من ستة أشهر حتى أخلى سبيله في ديسمبر 2018، بعد ذلك حاول باحث الدكتوراه السفر لاستكمال دراسته ولقاء ابنته المقيمة مع والدتها خارج مصر، في 8 مايو 2020، منعته الأجهزة الأمنية بمطار القاهرة من السفر للولايات المتحدة وسحبت جواز سفره، حاول مرة ثانية في 23 مايو 2021، السفر إلى فرنسا وتكرار المنع من قِبل أمن مطار القاهرة. لكن أبلغت سلطات مطار القاهرة سالم بأن سبب المنع هو وضع اسمه ضمن قوائم الممنوعين من السفر بقرار من النائب العام صدر بتاريخ ٢٣ مايو 2021، دون إبداء أسباب قانونية واضحة.

كما ألقى القبض على طالب الماجستير أحمد سمير سنطاوي في 2 فبراير 2021، أثناء قضاءه إجازة دراسية في مصر، وظل قيد الحبس الاحتياطي فى القضية رقم ٦٥ لسنة ٢٠٢١ حصر نيابة أمن الدولة العليا، ثم إحالته للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ التي أصدرت حكمًا بالسجن لمدة ٤ سنوات وغرامة خمس مئة ألف جنيه في القضية رقم ٧٧٤ لسنة ٢٠٢١ جنح أمن الدولة العليا طوارئ، وصدر قرار بالعفو الرئاسي عن باقي عقوبة سنطاوي في 30 يونيو 2022، حاول باحث الماجستير في جامعة أوروبا المركزية العودة للنمسا لاستكمال دراسته، لكنه فوجئ بسلطات أمن المطار تخبره بوجود تعليمات أمنية بمنعه من السفر.

بالمثل تم منع باتريك جورج باحث الماجستير في جامعة بولونيا في إيطاليا من السفر بعد الإفراج عنه. فقد ألقت الأجهزة الأمنية في مطار القاهرة القبض على باتريك جورج فى 7 فبراير 2020 بعد عودته من إيطاليا في زيارة عائلية. نقل بعد ذلك إلى أحد مقرات الأمن الوطني في القاهرة وتعرض للتعذيب على خلفية مقال عن أقباط مصر نشره على موقع درج. ورحل فى اليوم التالي إلى المنصورة. في 8 ديسمبر 2021 أخلت محكمة أمن دولة طوارئ سبيل باتريك على ذمة القضية 7245 لسنة 2019 بعد أكثر من 20 شهرًا حبسًا احتياطيًّا. واستمرت المحكمة فى تأجيل المحاكمة عدة مرات آخرها إلى 29 نوفمبر.

منع باتريك من استخراج جواز سفر من مصلحة الجوازات في مايو 2022. توجه بعد ذلك إلى مكتب النائب العام للاستفسار وفوجئ بوضع اسمه فى قضية جديدة برقم 2017 لسنة 2021 حصر أمن دولة لا يعرف عنها شيئًا ولم يتم استدعاؤه للتحقيق فيها. كما فوجئ بأن اسمه على قوائم الممنوعين من السفر.

يدعو حزب العيش والحرية، لضرورة التعامل مع هذه العقبات التي تساعد في فرض مناخ سلبي يضر بحرية البحث العلمي، ويحد من قدرة المجتمع الأكاديمي المصري على التبادل العلمي مع نظرائه الأجانب، ما ينعكس في النهاية على المستوى العلمي للمناهج الدراسية والبحوث العلمية الصادرة عن الجامعات المصرية.

التوصيات

  • إصدار قرار تنفيذي من وزير التعليم العالي بتفويض صلاحيات إبرام الاتفاقيات والبروتوكولات والمشروعات البحثية المشتركة إلى رؤساء الجامعات.
  • رفع توصية إلى المجلس الأعلى للجامعات لمناقشة سبل تشجيع استضافة الجامعات الحكومية المصرية المؤتمرات والندوات العلمية الدولية.
  • إصدار قرار تنفيذي من وزير التعليم العالي بقصر الإجراءات المطلوبة لسفر أعضاء هيئة التدريس على موافقة مجالس الأقسام العلمية ومجالس الجامعات.
  • دعوة لجنة العفو الرئاسي لبحث ملف منع الباحثين المصريين من السفر لاستكمال دراستهم الأكاديمية.