مهمات وتحديات إضافية في مواجهة الفصل الجديد من حرب الإبادة

استأنفت إسرائيل حرب إبادتها على قطاع غزة بوتيرة وإجرام أشد وأفظع مما شهدناه في العام والنصف الماضيين. تعود إسرائيل للحرب بعد ما توفرت لها فرص سانحة لم تكن تلك الحكومة الفاشية لتهدرها. ففي واشنطن، إدارة عنصرية وسلطوية تدير علاقاتها مع العالم، وإقليمنا بالطبع، بمنهج البلطجة والتهديد. لم تعد الولايات المتحدة تدعي قيادة عالم حرّ أو تبشر بمصالح متبادلة، ولكنها تحولت للابتزاز الصريح الذي يضمن نزح ثروات سكان العالم – الحلفاء والأصدقاء بالمناسبة قبل الأعداء – وإخضاعهم لأولويات رأس المال الأمريكي المأزوم. وإسرائيل حليف مثالي لهذه البلطجة السافرة. وقد تعمّد هذا الحلف بتبني ترامب العلني لخطة تهجير سكان قطاع غزة وتراجعه عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعاه هو شخصيًا قبل شهرين. كما يشجع نهج البلطجة هذا حكومة نتانياهو على تجاوز أزمات حكمها الداخلية من خلال العدوان الخارجي ليس فقط على غزة، ولكن على مجمل دول المنطقة كما نرى في سوريا ولبنان واليمن. باختصار، وجود ترامب في البيت الأبيض يعني إطلاق العدوانية الكامنة في الكيان الصهيوني بلا رادع ولا محاسبة، وكوارث هذا الجنوح الإجرامي لن تنجو منها دولة في الإقليم مهما بالغت في توددها لترامب وإدارته.

أما السياق الإقليمي والداخلي الفلسطيني فيصعّب من مهمة مواجهة هذه المرحلة من العدوان. فالطبقات الحاكمة في المنطقة، بالرغم من انخراطها جميعًا بدرجات متفاوتة في فلك التبعية الأمريكية، تنقسم على نفسها بشأن الموقف من سياسة الثنائي ترامب – نتانياهو الجديدة. فبينما تقف الطبقة الحاكمة المصرية مرتبكة وعاجزة أمام خطط ترامب وتسعى لتأمين نفسها من سيناريو التهجير القسري للشعب الفلسطيني في غزة وتحويل مصر لوطن بديل، تسعى قوى خليجية في الإمارات العربية والسعودية لاستغلال الفرصة للإجهاز التام على قدرات المقاومة الفلسطينية عبر ابتزازها بورقة إعادة الإعمار وتخويفها من مصير التهجير. وكشفت القمة العربية في القاهرة وما صاحبها من استقبال فاتر لخطة إعادة الإعمار المصرية عن هذا الانقسام بوضوح.

وكذلك تنقسم النخب الفلسطينية على نفسها، ويعرقل هذا الانقسام العبثي أي بديل شعبي جديد يحاول أن يوقف الإبادة بحق أهل غزة و يتصدى بشكل موحد للخطر الوجودي الداهم على مستقبل الشعب الفلسطيني. أما داعمو المقاومة المسلحة السابقين في طهران ولبنان فهم منكفئين على أنفسهم بعد جولة طويلة من تكسير العظم أخرجتهم عمليًا من المواجهة.

وأخيرًا، لدينا شعوب عربية منهكة ومقموعة بفعل الإفقار والاستبداد أو غارقة في وحل الصراعات المذهبية والطائفية…. هذا بالفعل ظرف مثالي لمذبحة!

إلا أن صعوبة وتعقد السياق الذي تتجدد فيه الحرب يعني مزيدًا من المهمات على عاتق القوى الديمقراطية المصرية المتضامنة مع نضال شعبنا الفلسطيني. يجب أن تتنادى هذه القوى لاستئناف نضالها بهدف:

– التعليق الفوري لمعاهدة كامب ديفيد وما يرتبط بها من ملاحق وبروتوكولات أمنية لحين توقف العدوان الهمجي على قطاع غزة بشكل نهائي. مرة أخرى تعليق هذه المعاهدة هي ورقة ضغطنا الأقوى وإن لم نوظفها حاليًا فالإبادة لن تتوقف بل وسيتحول التهجير لأمر واقع. فما تتيحه هذه المعاهدة من قنوات اتصال ووساطة قد نسفتها إسرائيل والإدارات الأمريكية منذ بداية الحرب. والخسائر المترتبة على تعليق هذه المعاهدة، وما يرتبط بها من معونات عسكرية واقتصادية، هي واقعة في كل الأحوال سواء استمرت المعاهدة أم ألغيت، خصوصًا مع إصرار ترامب على ابتزاز الطبقة الحاكمة المصرية بهذه المعونات لتمرير أي سياسة تخطر على باله مهما كانت جامحة. باختصار هذه المعاهدة تحولت لأداة ابتزاز دائم للطبقة الحاكمة والخسائر من وراءها أصبحت تتجاوز مكاسبها الشحيحة، وذلك بغض النظر عن موقفنا المبدئي أصلًا من “خيار السلام” مع إسرائيل من عدمه.

– الضغط على الحكومة المصرية لتبني خطة أممية مجدولة زمنيًا – لمّح إليها مؤخرًا وزير الخارجية المصري – تستهدف تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وتبدأ بنشر قوات أممية في قطاع غزة. لم يعد مقبولًا أن يُترك مصير الملايين رهينة لتفاوض حصري مع الإدارات الأمريكية الشريكة في العدوان والاحتلال. وإن كانت المؤسسات والهياكل الأممية غير فاعلة، فالمؤكد أن إدارة ترامب تحديدًا تسعى لتصفية الوجود الفلسطيني نفسه بشكل نهائي. والعمل مع جهة غير فاعلة بالطبع أكثر منطقية من استجداء العدو بشكل مجاني. على الأقل قد تسهم هذه الخطة الأممية – بغض النظر عن مرورها من مجلس الأمن – في دعم المعسكر الشعبي والرسمي العالمي المناهض للهمجية الإسرائيلية.

– الضغط من أجل استئناف فتح معبر رفح فورًا أمام قوافل الإغاثة الطبية والإنسانية، وهذا المعبر لم يغلق أساسًا إلا بسبب انتهاك إسرائيل السافر لاتفاقية المعابر الموقعة في ٢٠٠٥ والتي تعتبر أحد ملاحق معاهدة كامب ديفيد. وهذا سبب إضافي للمسارعة لتعليق هذه المعاهدة المشئومة.

– الضغط من أجل كفالة حق التظاهر السلمي للغالبية الساحقة من المصريين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين على خلفية تظاهرات العام الماضي.