في ظل تحديات اقتصادية غير مسبوقة، وضغوط متزايدة تهدد حقوق العمال وكرامتهم، بدأ البرلمان مناقشة قانون العمل في الجلسة العامة الثلاثاء الماضي ٢٥ فبراير، ذلك البرلمان يتضمن أعضاء معظمهم من رجال الأعمال والنقابيين التابعين للاتحاد الحكومي، مع تجاهل دعوة ممثلي النقابات المستقلة وأصحاب المصلحة الحقيقيين. هذا النقاش يتم دون إجراء حوار مجتمعي شامل يشمل كافة الأطراف المعنية، وهو ما يثير التساؤلات حول مدى التزام هذا المشروع بمبادئ العدالة الاجتماعية وواقعية الاستجابة للتحديات القاسية التي تواجه العمال.
إن “قانون العمل” يقع بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان التضييق على الحريات النقابية ليعكس الواقع الذي نعيشه اليوم. فقد شهدت مصر في السنوات الأخيرة تدهورًا اقتصاديًا حادًا نتيجة استراتيجيات اقتصادية وسياسية اتبعها النظام الحالي بقرارات منفردة لتعزيز سلطته. هذه الاستراتيجيات أدت إلى تكرار انهيار العملة الوطنية، مما أدى إلى مستويات مدمرة من التضخم وزيادات حادة في معدلات الفقر. بالفعل، تعد هذه الفترة واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث، حيث ارتفعت الديون الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة. وسط هذا الوضع المعقد، يظهر قانون العمل الحالي كأداة تعكس هذه الاتجاهات المدمرة، إذ يفتقر إلى الحماية اللازمة للعمال، ويخدم مصالح الأطراف القوية على حساب حقوق الطبقة العاملة.
وصلت معدلات التضخم، وفقًا لآخر تقارير البنك المركزي المصري، إلى 22.6%، وهي نسبة تمس حياة ملايين العمال وعائلاتهم. هذه الأزمة تجسدت في فقدان فرص العمل، تدني الأجور، وتدهور ظروف العمل، بالإضافة إلى تقاعس الدولة عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وفقًا لتقرير دار الخدمات النقابية، فإن التضخم في الأربع سنوات الماضية تجاوز زيادة الأجور خلال خمس سنوات، ما يعكس فشل السياسات الاقتصادية الراهنة.
في هذا السياق، أظهرت أحدث بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع الدين الخارجي بنسبة 1.5% خلال الربع الأول من العام المالي الجاري (2024/2025)، مما يؤثر سلبًا على ملايين العاملين سواءً في القطاع الرسمي أو غير الرسمي.
وفي الوقت ذاته، نجد أن هناك تضييقًا واضحًا على الحريات النقابية، وهي الحريات التي تشكل العمود الفقري لكفاح العمال من أجل تحسين أوضاعهم. وزارة العمل لا تزال تشكل عائقًا رئيسيًا أمام تنفيذ قانون المنظمات النقابية وحماية حق التنظيم (قانون 213 لسنة 2017 ولائحته التنفيذية)، مما يحول دون تأسيس المزيد من المنظمات النقابية المستقلة، ويقوض آمال العمال في نيل حقوقهم عبر الأطر الشرعية. كما أن غياب هذه النقابات يمنع توفر بيانات دقيقة حول حجم العمالة غير المنتظمة وتأثرها السلبي بقانون العمل.
في الفترة الأخيرة، تمت مناقشة بعض التعديلات على قانون العمل في لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، شملت تعريف التنمر والتحرش، حقوق المرأة العاملة في إجازات الوضع وفترات الرضاعة، تنظيم عمل الأجانب، العمالة غير المنتظمة، وعمالة الأطفال، بالإضافة إلى الاعتراف بأشكال العمل غير التقليدية مثل العمل عن بعد. ولكن لا تزال تلك التعديلات تفتقر إلى آليات واضحة لتنفيذها.
يرى حزب العيش والحرية – تحت التأسيس- أن صياغة قانون العمل يجب أن تستند إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز حقوق العاملين، مع ضمان مشاركتهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة شؤونهم. ويجب أن يحقق القانون توازنًا بين حقوق العمال وأصحاب العمل، مع تعزيز قيم التضامن المجتمعي. حقوق العمال ليست قضايا فردية، بل هي قضية جماعية تتطلب مشاركة الجميع.
لذا، يطالب الحزب بإقامة حوار مجتمعي حقيقي يشمل كافة النقابات الحكومية والمستقلة، والمتخصصين. كما يطالب بإجراء تعديلات جوهرية على مواد القانون التي تضمن حقوق العمال في الأمان الوظيفي، خاصة أن العمالة المنزلية، التي تشكل النساء غالبية أفرادها، لا تزال خارج نطاق القانون، ما يحرمهن من أي حماية قانونية أو ضمانات اجتماعية أو صحية. كذلك، يجب أن تكون عقود العمل مرتبطة بنوع العمل (دائم، مؤقت، موسمي) لضمان الاستقرار الوظيفي. إضافة إلى ذلك، يجب التصدي للتحايل على القانون في فصل العمال، رغم ورود أسباب الفصل في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003.
ويشدد الحزب على ضرورة إلغاء “شركات التشغيل” التي تعتبر بابًا خلفيًا لاستغلال العمال، في مخالفة صريحة للمادة السابعة من الاتفاقية الدولية (181) التي تحظر فرض رسوم أو تكاليف على العمال من خلال هذه الشركات. بالإضافة إلى ضرورة رفع العلاوة الدورية من 3% إلى 7% لمواجهة التضخم، وكذلك باحترام الحق في الإضراب وفقا للدستور والمعايير الدولية والتخلص من كل الاستراطات التعجيزية التي يتضمنها القانون وليصبح الإخطار فقط لمكتب العمل كافيًا. إذ أن تقييد حق الإضراب يقوض قدرة العمال على الدفاع عن حقوقهم، ويضعف دور النقابات في التفاوض مع أصحاب العمل.
وختامًا إن قانون العمل المقترح يفتح المجال أمام أصحاب العمل للتحكم في الأجور وزيادة ساعات العمل، مما يزيد من تفاقم الأوضاع السيئة التي يعيشها العمال.
نحن نحذر من الآثار السلبية لهذا القانون على الطبقة العاملة، ونؤكد على أهمية تعزيز الحريات النقابية لضمان العدالة والمساواة في بيئة العمل.