الشرف والاستقلال والعنف: نظرة نسوية اشتراكية

المحتويات:

المفهوم

جذور اقتصادية

آليات حماية الشرف

ظواهر اجتماعية

القانون كأداة عنف واستغلال لترسيخ مفهوم الشرف الأبوي

العنف في المجال الخاص (الأسرة والعلاقات الخاصة)

النساء فاقدات الشرف

قوانين الاسرة (الأحوال الشخصية)

العنف الجنسي

الشرف والتقاطع بين الأبوية والطائفية

العمل وكسب الرزق

المرأة المستقلة (الكائن الأخطر على المنظومة الأبوية)

برنامجنا للعمل

المفهوم

جاء اهتمامنا بالاشتباك مع قضية الشرف باعتباره مفهوم تنطلق منه الكثير من الممارسات والقوانين التي ترسخ الاستغلال والعنف ضد النساء. فالشرف بوجه عام لغويا هو العلو والمجد ويحمل معاني مثل الصدق والأمانة والنزاهة والكرامة ويرتبط باحترام الناس للشخص. وفي القانون نجد أن أسوأ الجرائم تصنف باعتبارها (مخلة بالشرف والأمانة) أي تؤدي لاحتقار الإنسان بين رفاقه في المجتمع.

لكن بالنسبة للنساء يأخذ الشرف مفهوما آخر يتعلق بسلوكهن الجنسي بالتحديد، ويسمى أيضا بالعرض أو بالأدق عرض العائلة ورجالها، باعتباره السلوك الجنسي الفعلي أو المتخيل للمرأة الذي يؤثر على مكانة رجال عائلتها في المجتمع والواجب ضبطه حفاظا على النسب ومن ثم الثروة والمكانة الاجتماعية، وانتهاكه يلحق “العار” لا بالمرأة وحدها، وإنما بباقي عائلتها أو مجتمعها وخاصة الرجال. هذا ما نطلق عليه المفهوم الأبوي للشرف الواجب التحرر منه. هذا المفهوم يحكم الكثير من الأمور المتعلقة بحياة المرأة في المجتمع الأبوي، وله انعكاسات كبيرة على القوانين والممارسات الاجتماعية بل وعلى على حق النساء في الحياة.

لكن كيف ظهر هذا المفهوم في حياة المجتمعات البشرية وكيف تطور وما هي انعكاساته؟

جذور اقتصادية

نشأ النظامان الطبقي والأبوي متلازمان في التاريخ في تقديرنا. فمع ظهور الملكية الخاصة في المجتمعات البشرية والاهتمام بالحفاظ عليها وتوريثها ظهر الاحتياج للسيطرة على أجساد النساء للحفاظ على النسب من أجل ضمان انتقال الثروة في مسار سليم، وهو ما أخذ أشكال متعددة في المجتمعات البشرية. ورغم أنه على الأرجح مفهوم/مؤسسة الشرف نشأت لدى الطبقات صاحبة الثروة أو الملكيات، فقد انتقل مفهوم الشرف وانتشر – مثل كل الافكار الرجعية – من الطبقات العليا إلى الطبقات التي لا تمتلك ثروة لتورثها أو تحافظ عليها، وأصبح لإخضاع النساء وظائف متنوعة في المجتمع الطبقي الأبوي غير الحفاظ على الثروة، منها ما ظهر مع النظام الرأسمالي الذي له خصوصية في علاقته بالنساء تختلف عما سبقه من الأنظمة الطبقية الأبوية كالاقطاعية أو الخراجية إلخ.

الرأسمالية – الصناعية خاصة – التي ظهرت منذ منتصف القرن الثامن عشر تقريبا وتطورت لأشكال سياسية واقتصادية متعددة حتى يومنا هذا حملت علاقة خاصة بالنساء. فهي في البداية لم تُدمَج النساء داخل الطبقات الاجتماعية القائمة، حيث بقت نساء الطبقة الرأسمالية مجرد تابعات لرجال هذه الطبقة ونساء الطبقة العاملة أيضا، حيث استفاد النظام الرأسمالي من تقسيم العمل التقليدي بين النساء والرجال خاصة داخل الطبقة العمالية لتوفر النساء الخدمات الأسرية بالمجان للطبقة العاملة وتتحمل عبء تجديد وإعادة إنتاج هذه الطبقة بإنجاب عمال جدد ورعايتهم بالمجان. لكن مع تطور الأوضاع الاقتصادية والسياسية، اندمجت نساء الطبقة العاملة في العمل المأجور وأصبحن جزء من القوة العاملة، جزء شريك لكن حقوقه أقل في الأجر والمعاملة وخلافه، وتزامن هذا مع النضال من أجل الاعتراف بالنساء كمواطنات لهن حقوق سياسية منذ بداية القرن.

لذلك يمكن القول أن الرأسمالية من جانب حررت النساء عن طريق الاعتراف بهن مواطنات وعاملات (أي جزء من المجتمع السياسي وجزء من القوة العاملة) ومن جانب آخر ضاعفت استغلالهن (والأطفال ايضا) حيث أصبحن يتعرضن لاستغلال كعاملات (وبشروط أسوأ من العمال الرجال) بالإضافة لاستغلالهن كنساء داخل الأسرة الأبوية، فتقدمن للنظام الرأسمالي عدة فوائد في آن: إنجاب عمال جدد ورعايتهم بالمجان، وتوفير عمالة أرخص وأكثر قابلية للاستغلال، وتمكين العمال الرجال من ممارسة تسلطهم عليهن داخل نطاق الأسرة.

لكن هذا لا يعني أنه في المرحلة التاريخية الحالية كل الأنظمة الرأسمالية تقهر النساء وتستغلهن بنفس الدرجة، أو أن الأنظمة الاشتراكية من شأنها أن تحرر النساء بشكل تلقائي. فالبنية الأبوية متقاطعة مع البنية الطبقية داخل النظام الرأسمالي لكنها ليست متماثلة تماما معها. فتحت ضغط النضالات النسوية في القرن العشرين بالأخص، نجد أن النساء العاملات نجحن في انتزاع عدد لا بأس به من الحقوق في دول المركز الرأسمالي، وكذلك قامت الطبقات الرأسمالية بإدماج نساءها فيها والاعتراف بهن شريكات وليس مجرد تابعات لرجالهن. كل ذلك بالطبع ما زال محدودا وبعيدا عن المساواة الكاملة، فما زالت الفجوة النوعية في الأجور على مستوى العالم عالية فـ”متوسط الفجوة العالمية فى الرواتب بين المرأة والرجل 10-30%” وفي مصر تصل وفقا لاحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أكثر من 25% لصالح الرجل في القطاع العام، ونجد أنه في تصنيف الفجوة النوعية للمنتدى الاقتصادي العالمي تقبع مصر في موقع سيء للغاية 136 من 145 (1). مما يرسخ من حالة تأنيث الفقر (70% من فقراء العالم نساء) التي لا تنبع من فجوة الأجور فقط وإنما أيضا من كثافة النساء في العمالة غير المنتظمة المحرومة من الرواتب الثابتة والتأمين الاجتماعي والخدمات الصحية وحرمان نسبة لا بأس بها منهن من العمل بأجر أصلا. وحتى داخل الطبقات الموسرة نجد أنه من ضمن أغنى 50 شخص في العالم هناك سبعة نساء فقط تقريبا.(2)

وفي الأنظمة الرأسمالية الأكثر تخلفا اقتصاديا وسياسيا، نجد أن الطابع الأبوي للنظام أكثر حدة ورسوخا حيث تبقى النساء خارج القوة العاملة إلى حد كبير أو تكون داخلها بدافع الحاجة بدون حقوق ويبقى الإخضاع أساسيا داخل الأسرة. ومن هذه المجتمعات الدول العربية بوجه عام (وإن تفاوتت الدرجات بالطبع فلا يمكن المساواة بين وضع النساء في تونس والسعودية مثلا) حيث تبقى الطبيعة الأبوية للنظام ككل ومؤسسة الأسرة بالتحديد أكثر جمودا وشدة. فنجد مثلا متوسط نسبة النساء في القوى العاملة ضمن مجموعة الدول العربية (22,3%) الأقل في العالم على الإطلاق سواء الدول الأعلى دخلا فيه (43,8%) أو الأقل دخلا (47,2%) حيث المتوسط العالمي (39,6%). وهذا الإقصاء من سوق العمل لا نجد له تفسير في الدول العربية على اختلاف أوضاعها الاقتصادية والسياسية (مثال السعودية “15.2%” – قطر “13,5%” – السودان “29,4%” – مصر “24,1%”) سوى غلبة النظام الأبوي المحافظ على الخيارات الاقتصادية على مستوى الأسرة والدولة، مقارنة بباقي العالم.(3) وهو الأمر الذي له تفسيرات عدة منها هيمنة أيدلوجية دينية محافظة تحبس النساء في دور تقليدي محاط بقدسية معينة وهي الهيمنة التي تعززها في بلادنا المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر ودار الإفتاء والكنائس المختلفة، وكذلك الحركة الإسلامية السياسية التي مثلت قوة مضادة لتطور المجتمع في مصر باتجاهات أكثر مساواة بين الذكور والإناث.

وقضية الشرف في تقديرنا هي المساحة التي يتكرس فيها قهر الأنثى في المجال العام والمجال الخاص ويتداخل المجالان، ويشتد فيها التقاطع بين الأبوية وصور القهر الأخرى الطبقي والعنصري(4) والطائفي. وهي أفضل تعبير عن السمات الأبوية المقاومة للتطوير، وخاصة في مجتمعاتنا العربية التي تبقا فيها ملايين النساء رهائن للتسلط الأبوي باعتبارهن رمزا لشرف الرجل وكرامته يتكلم عنه رجل الدين ويتباهي به شيخ العشيرة ويعاقب عليه القانون، وما زالت الطبقات المهيمنة على الثروة والسلطة حريصة على جعل النساء قاعدة عظيمة للرجعية حتي تجد من تتكأ عليه لبقائها. لا سيما أنه في مجتماعتنا تبقا أنظمة اجتماعية كالقبلية سماتها الأبوية تكون أحيانا أشد وطأة من رجعية الدولة والمؤسسات الدينية.

آليات حماية الشرف:

ظواهر اجتماعية

لقد اخترع المجتمع الأبوي آليات مختلفة لحماية الشرف وفقا لهذا المفهوم. فتاريخيا وجدنا وأد البنات في الجزيرة العربية المرتبط بكون البنات عبئا (عبء اقتصادي لأنها لا تنتج ثروة وعبء اجتماعي حيث يخشى دوما من فقدان شرفها)، وكي الأثداء في بعض المناطق الأفريقية، وختان الإناث الذي هو مستمر حتى الآن في مصر والهدف من وراءه تثبيط الشهوة الجنسية للنساء تجنبا للعار (وإن ثبت علميا أن الختان لا يقلل من الشهوة الجنسية وإنما يقلل قدرة المرأة على المتعة الجنسية). وهناك مؤسسات أو آليات اجتماعية أخرى ليست بأقل خطورة مثل تزويج القاصرات وتجريم الاجهاض والإجبار على الحجاب والحرمان من التعليم ومنع الاختلاط في المؤسسات التعليمية وتقييد الحركة بما يحرم النساء من فرص اجتماعية واقتصادية وعلمية إلخ. وفي كل هذه الآليات نجد حرمان النساء من فرص التمكين الاقتصادي متضافرة مع التحكم والسيطرة في أجسادهن بوسائل معنوية أو مادية عنيفة.

القانون كأداة عنف واستغلال لترسيخ مفهوم الشرف الأبوي

تصنف المواثيق الحقوقية الدولية الممارسات الاجتماعية الواردة أعلاه مثل الختان باعتبارها ممارسات تقليدية ضارة يجب أن يتصدى لها القانون. الكارثة أن القانون المصري لا يكافح هذه الممارسات بشكل سليم أو فعال فحسب، وإنما أيضا يرسخ مفهوم الشرف البالي ويعيد إنتاجه. يتضح هذا في مجالات متعددة:

العنف في المجال الخاص (الأسرة والعلاقات الخاصة)

في نطاق الأسرة، تصر الدولة على عدم إصدار قانون لتجريم العنف الأسري بحجج مختلفة منها أن للبيوت حرمات ويصعب تنصيب الدولة فيها حكما بين أفراد الأسرة الواحدة. فالدولة ترفض التدخل في شئون البيوت لتمنع العنف ضد النساء والأبناء أو للرقابة على ظروف عمل خدم المنازل (الذين يتم استثناءهم من قانون العمل وأغلبهم من النساء مثل العمال الزراعيين أيضا)، لكنها تدخل البيوت وتنتهك حرماتها الدستورية في أي قضية جنائية أو سياسية تراها تستحق ذلك. ويرى البعض أن قوانين العقوبات العادية التي تجرم أفعال مثل الضرب والقتل والاغتصاب يمكن استخدامها في حالات العنف الأسري وبالطبع هذا محض وهم لأن سياق الأسرة يتسم بالانغلاق وافتراض حسن النية والتراضي ويحتاج لآليات مختلفة للتعامل معه عن العنف في المجال العام.(5)

بل أن الدولة تشرعن صراحة وتتواطأ مع أشكال من العنف الأسري المدفوعة بحماية الشرف مثل استخدام القضاة للمادة 17 من قانون العقوبات الخاصة بالرأفة لتخفيف العقوبات عن الرجال الذين يقتلون أو يعتدون على نساءهم للشك في سلوكهن، ومثل المادة 60 التي تنص على أنه ” لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة” فيصبح ضرب الزوجات والأبناء للتأديب أو اغتصاب الزوجات أفعالا لا يُعاقب عليها لأنها تنطلق من حقوق شرعية وتمت بنية سليمة. وهو ما يؤدي لتفاقم ما يعرف بجرائم الشرف بسبب الإفلات من العقاب عليها.

وحتى في الحالات التي تعترف فيها الدولة بضرورة توفير الحماية للنساء كما في حالة البيوت الآمنة التي أنشأتها الدولة عام 2003 (ثمانية بيوت فقط في الجمهورية كلها) نجدها تتعامل بأبوية شديدة مع النزيلات سواء في تعريف العنف أو الحرص على الصلح بين المرأة وأسرتها (التي تقوم بتعنيفها!)، ناهيك عن عدم الاهتمام بهذه البيوت أصلا وتوفير الميزانية والتأهيل اللازم للعاملين بها.(6) وعندما قررت الدولة إنشاء إدارات مكافحة العنف ضد النساء حدث خلاف على إنشاء الإدارات ضمن قطاع حقوق الإنسان أم قطاع الآداب! وما زالت هذه الإدارات غير فعالة أو منتشرة على مستوى الجمهورية أو تتبنى منظور حقوقي سليم(7).

النساء فاقدات الشرف

يتعامل القانون بشكل تمييزي مع النساء اللاتي تعتبرن فاقدات للشرف وفقا لهذا المفهوم. فمن ناحية، النساء اللاتي يشتبه في ممارستهن الدعارة يتم وضعهن في قوائم أو كشوف للمسجلات آداب ليبقا هذا الاشتباه وصمة عار في جبينهن وتبقا معرضات لاستغلال رجال الأمن، فوزارة الداخلية اعتادت تسجيل الاتهام في هذه الحالات على جهاز الكمبيوتر الخاصة بها، والسيدة التي تحصل على براءة من هذه التهمة تلاقي الأمرين لكي ترفع اسمها من هذه الكشوف برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري. أما عن تعامل القانون مع البغاء أو العمل بالجنس (يسمى الدعارة بالنسبة للنساء والفجور بالنسبة للرجال في القانون المصري) فنجد القانون يجرم هذا الفعل من منظور أخلاقي وليس من منظور أنه فعل استغلالي وعنيف، فتعاقب من تبيع (أو يبيع) جسدها بالمال، ولا يعاقب الزبون الذي يستغل هذا الجسد مقابل المال بل يعتبر شاهدا، ذلك بالإضافة إلى المساواة في العقوبة بين منظمي عملية البغاء (القوادون) والعاملين أنفسهم (قانون مكافحة الدعارة رقم 10 لسنة 1961 والقانون رقم 68 لسنة 1951). وبالتالي لا يتعامل القانون مع تلك النسوة إلا باعتبارهن فاقدات للشرف مفسدات للمجتمع وليس كواقعات تحت الاستغلال المادي والجنسي.

ومن ناحية أخرى، يميز القانون في عقوبة المرأة المتزوجة التي يثبت ارتكابها الخيانة الزوجية (الزنا في التعبير القانوني المصري) سواء في مسكن الزوجية او خارجه فتعاقب بالسجن سنتين ولا يحق لها حضانة أطفالها طبقا للمادة 274 من قانون العقوبات ويعاقب معها شريكها الذي انتهك شرف رجل آخر (المادة 275)، اما الزوج الذي يثبت زناه يحكم عليه بستة اشهر فقط شرط ان يكون الزنا وقع في منزل الزوجية بينما ان ثبت انه زني خارج مسكن الزوجيه فلا عقوبة تقع عليه (المادة 277)، ناهيك عن تخفيف العقوبة عن الرجل قاتل زوجته الزانية مقارنة بالمرأة التي ترتكب نفس الفعل (237). ذلك بالإضافة للتسامح مع العنف ضد النساء سيئات السلوك الجنسي فعلا أو لمجرد الشك من ذكور العائلة كما ورد أعلاه.

قوانين الاسرة (الأحوال الشخصية)

أما قوانين الأسرة فتنضح بالتمييز المنطلق من هذا المفهوم بداية من التمييز بين الزوجة البكر والثيب، وسقوط حق المرأة في حضانة الأطفال بزواجها من رجل آخر وتبني معيار متشدد لمفاهيم العفة وعدم الفسق كشروط لتولي الأم حضانة أطفالها، فمنظومة الأحوال الشخصية القائمة مبنية على فكرة تقسيم الأدوار التقليدي بين الرجال والنساء (على النساء الطاعة وعلى الرجال الإعالة ولهم القوامة) (انظر مثلا المادة 1 من قسم”النفقة والعدة” في قانون الأحوال الشخصية حيث لا تجب النفقة على الزوجة إذا امتنعت باختيارها تسليم نفسها لزوجها أو إذا خرجت من مسكن الزوجية دون إذن منه).

العنف الجنسي

قانون العقوبات المنظم لعقوبات العنف الجنسي (خاصة في المجال العام) يفترض أنه يجرم أفعال العنف الجنسي التي تؤذي البشر عامة والنساء خاصة، لكننا نجده غارقا في المفهوم الأبوي للعرض والشرف ولا ينطلق من حق الإنسان في حماية الجسد من العنف وحرية التصرف في هذا الجسد.

لسنوات طوال بقا التشريع المصري لا يعرف سوى جريمتين فقط من جرائم العنف الجنسي: هتك العرض والاغتصاب. الاغتصاب هو مواقعة الأنثى بغير رضاها (بالإكراه المادي أو المعنوي) وتعريف المواقعة إيلاج العضو الذكري في المهبل. أما ما عدا ذلك فيعتبر هتك عرض فقط، وكأن إدخال سكين في فتحة الشرج مثلا أمر أخف وطأة أو ليس اغتصابا. كذلك لا يعترف القانون بإمكانية اغتصاب الرجال ويعتبرها جريمة هتك عرض فقط، ولا يعترف القانون أيضا بإمكانية أن ترتكب الاغتصاب امرأة سواء على امرأة أو رجل، ولا تعتبر المواقعة الإجبارية للزوجة اغتصابا. لذلك فإن تعريف الاغتصاب قاصر جدا ويستثنى أفعال أخرى خطيرة ومؤذية تتضمن اختراق لفتحات الجسم. وبالنسبة للنساء المصنفات ساقطات أخلاقيا، أحيانا يعتبر القضاة أن سلوكهن قرينة على رضائها بحدوث المواقعة، خاصة أن القضاة لهم سلطة تقديرية في تحديد مسألة الإكراه سواء كان ماديا أو معنويا. وفي عام 2014، وبعد الكثير من النضالات لمناهضة العنف الجنسي في المجال العام، قامت الدولة بتعديل المادة 306 مكرر أ من قانون العقوبات وإضافة المادة 306 مكرر ب فاستحدثت جريمة جديدة هي جريمة (التحرش الجنسي) تغلظ عقوبتها في حالة التكرار وفي حالة صدورها من شخص له سلطة على المجني عليه/ها. ورغم أن هذا التعديل يعد تطورا عن مفهوم (خدش الحياء) الذي كان مستخدما إلا أنه ربط ” مفهوم التحرش بقصد الجاني بالحصول على منفعة جنسية من المجني عليه بدلا من ربطة بمدى الضرر المادي والأدبي الواقع على المجني عليه”(8). ونرى أن التناقضات والإشكاليات في قانون العقوبات في هذا المجال يعود جزء كبير منها إلى انطلاق القانون من مفهوم حماية الشرف/العرض وليس حماية حرية الإنسان في التصرف في جسده/ا.

الشرف والتقاطع بين الأبوية والطائفية

يشتد تأثير الأبوية حين تتقاطع مع محاور أخرى للقهر والاستغلال كما أسلفنا، ومن أبرز هذه الحالات التقاطع بين الابوية والطائفة. فوفقا لعدة دراسات، العلاقات بين نساء ورجال مختلفي الديانة في مصر هي ثاني أو ثالث أكبر سبب للعنف الطائفي في مصر،(9) وكثيرا ما يتم استخدام العنف ضد النساء المسيحيات في جرائم العنف الطائفي كأداة عقاب جماعي وإذلال للمجتمع المسيحي من جانب المعتدين منذ صعود الحركة الإسلامية في السبعينيات(10) وحتى الآن كما تبدى في حالة الاعتداء على السيدة سعاد ثابت الأخيرة بقرية الكرم، وهي من الحالات النادرة التي طرحت صراحة على الرأي العام ولم تذهب طي الكتمان خوفا من العار. ناهيك عن أن سلوك المرأة المسيحية الشخصي (قرار الانفصال عن الزوج أو الارتباط بشخص آخر خاصة لو مسلم أو تغيير دينها) يتحول إلى حرب سياسية ضخمة أطرافها كلها تتعامل مع هذه السيدة باعتبارها موضوع لكرامة جماعتها، كما تبدى في حملات “أريد أختي كاميليا وغيرها” التي قادتها جماعات سلفية أو في تعامل المجتمعات القبطية مع أي سيدة تترك منزلها باعتبار أنها “مخطوفة” يجب إعادتها بالقوة حتى لو كانت مواطنة راشدة.(11) والطائفية تجعل النساء المسيحيات أكثر تهميشا من النساء المسلمات في بلد كمصر فهن لا يستفدن كالمسلمات من التحسينات الجزئية التي تتم في قوانين الأحوال الشخصية كالخلع، ويحرمن من حقوق المرأة المسلمة كحضانة الأطفال والإرث من الزوج إن تزوجن رجال مسلمين، وكذلك تحرمهن الهيمنة الإسلامية على الدولة والمجتمع من حقوق يقرها دينهن كالتبني والمساواة في الإرث. بل أن السماح للرجل المسلم بالزواج من امرأة مسيحية وعدم السماح بالحالة العكسية بدعوى مخالفة ذلك للشريعة الإسلامية هو تعبير بليغ في ذاته عن حماية الشرف الأبوي لأغلبية المجتمع المسلمة وعدم التفريط في نساءها لفئة أخرى.

العمل وكسب الرزق

التمييز ضد النساء في العمل والأجر ومستوى المعيشة له منطلقات مختلفة منها الاقتصادي ومنها ما يتعلق بمفهوم الشرف أيضا. ففي قانون العمل، نجد المادة 90 من قانون العمل تقتضي بمنع تشغيل النساء ليلا من بعد السابعه مساء طبقا لقرار وزير العمل بحجة حمايتهن وهي حجة واهية فإن كانت الدولة تريد تحمل مسئوليتها في حماية أجساد النساء، فيمكنها توفير وسائل مواصلات آمنة أو إلزام أصحاب الأعمال بذلك، واتخاذ اجراءات أخرى لحماية العاملات والعمال أثناء عملهن ليلا بدل من منعهن.

وفي المادة91 يحظر تشغيل النساء في الأعمال الضارة بهن صحيا وأخلاقيا والتي تحددها وزراة القوي العاملة، وبذلك فهناك أعمال أصبحت حكرا على الرجال بحجة الوصاية الأخلاقية والصحية. ويحدد القرار الوزاري 155 لعام 2003 أكثر من ثلاثين فئة من المهن والصناعات بحجج مختلفة بعضها أخلاقي وبعضها صحي بدلا من النص على توفير الحماية ووسائل الصحة والسلامة المهنية لكل العاملات والعاملين. والمثير للسخرية أن القرار 155 مثلا يمنع النساء من العمل في صنع كافة المشروبات الروحية والعمل في البارات ونوادي القمار والشقق المفروشة والبنسيونات التي لا تخضع لإشراف وزارة السياحة والعمل في الملاهي وصالات الرقص إلا إذا كن من الراقصات والفنانات الراشدات سنا.

وبخلاف المجالات التي تُمنع النساء من العمل فيها تماما، تتعرض النساء لتمييز في الأجر بسبب توقعات اجتماعية متعلقة بأن التزامات الرجل أكثر من التزامات المرأة لتبقا الفجوة النوعية في الدخل ومستوى المعيشة مستمرة وهي الفجوة التي تنبع من الفجوة في الأجر والثروة، والتي تفسر لما الأسر التي تعولها امرأة بمفردها (أكثر من 30% من الأسر المصرية) أفقر من الأسر التي يعولها رجل بمفرده.

المرأة المستقلة: الكائن الأخطر على المنظومة الأبوية

لا يعترف المجتمع أو القانون بالمرأة المستقلة. وفي الدعاية الأبوية الركيكة، نجد محاولات لإظهار التعاطف والشفقة مع النساء المعيلات باعتبارهن نساء أوقعهن حظهن العاثر في أن يقمن بدور الرجال (الإعالة) ولذلك يجب مساندتهن. النساء المعيلات لأسرهن وحدهن (حوالي 30% من الأسر المصرية) لسن أقل قدرة من الرجال المعيلين لأسرهم وحدهم ولسن في حاجة للشفقة، بل أن الحقيقة التي لا تقولها برامج الصدقة والزكاة في وسائل الإعلام أن الفجوة التي تعاني منها النساء في الدخل هي التي تجعل هذه الأسر أكثر فقرا من باقي الأسر.

هناك أسباب متعددة تدفع النساء للاستقلال عن الأسرة والعيش بمفردها أو تولى مسئولية أطفالها بمفردها، ومنها الرغبة في الدراسة أو العمل أو الرغبة في الحياة بعيدا عن الاسرة. لكن من أبرز هذه الدوافع العنف الأسري الذي يمارس على النساء من الزوج أو من أسرة الفتاة غير المتزوجة، عنف يتواطأ معه المجتمع والدولة بل ويشاركان فيه.(12)

وتتعرض تلك النساء – اللاتي تخالفن الدور التقليدي المنوط بالنساء – لعنف كبير سواء كان هذا العنف يمارس من الاسرة أو المجتمع المحيط أو الدولة. وحتى من ينجون من العنف الأسري يمارس عليهن عنف مجتمعي باعتبارهن مستباحات. وربما حوادث الاعتداءات المتكررة على المعلمات المغتربات أبلغ تعبير عن هذه المعضلة: فالدولة طرحت مسابقة للتوظيف في قطاع به نسبة عمالة نسائية عالية (مسابقة 30 ألف معلم) دون توفير أي سكن آمن أو مواصلات، وصارت تلك السيدات على خلاف حالتهن الاجتماعية عرضة لمستويات كبيرة من العنف (13). أما بالنسبة للسيدات المستقلات عن الأسرة بإرادتهن أو بغير اتفاق مع الأسرة نجد رجال القانون أحيانا يسلمونهن لأسرهن رغم بلوغهن سن الرشد القانونية بحجج مختلفة منها تحرير محاضر تشرد لتلك الفتيات ناهيك عن رفض الشرطة الدائم تحرير محاضر تعدي ضد الأهل الممارسين العنف على الفتيات. ورغم عدم وجود احصائيات فإنه من الملاحظ ازدياد أعداد النساء المتجرأت على الاستقلال بأشكاله المختلفة في ظل التحولات الحادثة في المجتمع المصري لا سيما مع ثورة 25 يناير ومراحلها المختلفة، ومع التغيرات في الأوضاع الاقتصادية وتفسخ الكثير من الأوجه الحمائية للنظام الأبوي، لكن انتشار هذا الميل التحرري المستقل يجابهه في نفس الوقت عنف متصاعد من التوجهات الرجعية في الدولة والمجتمع كما أسلفنا ومواجهته تحتاج الكثير من التضامن والوعي.

برنامجنا للعمل

أ

على مستوى العمل الجماهيري

تشجيع الشابات الساعيات للاستقلال على امتلاك مقومات الاستقلالية من عمل وتعليم بطرق تضامنية تجنبا للتعرض للعنف المجتمعي الذي يكون أحيانا أقسى من العنف الأسري أو مثله

التشبيك مع الكيانات التي تقدم خدمات قانونية وصحية للناجيات من العنف الاسري أو العنف في أماكن العمل أو غيره

العمل مع أصحاب المصلحة على تفعيل القوانين الإيجابية ومناهضة القوانين التمييزية المرسخة للعنف والاستغلال في كافة المجالات

التحلي بالجرأة والوعي والحساسية لقضايا النوع في العمل في جميع المناطق والمجتمعات التى يتواجد بها الحزب (عمالية – طلابية – جغرافية –ألخ )

مكافحة الفصل بين الجنسين وتوفير البيئة الصديقة لمشاركة النساء خاصة في المؤسسات التعليمية

دمج قضايا النساء العاملات في عملنا مع النقابات والتجمعات العمالية وخاصة قضايا العنف في أماكن العمل والتمييز في الترقي والأجور و تقسيم العمل وعدم توفير دور الحضانة لأصحاب الأطفال أو الحصول على إجازة الوضع ورعاية الطفل أو إجبار النساء على ارتداء زي معين إلخ

ب

على مستوى السياسات والتشريعات التي نكافح من أجلها

إلغاء القوانين التي تؤدي للتمييز والعنف على أساس النوع في كافة المجالات وتتبنى المفهوم البالي للشرف الواردة أعلاه وخاصة في قانون العقوبات وتبني تشريع متكامل لمناهضة العنف القائم على النوع و

معاقبة أولياء الأمور الذين يقومون بتزويج أبناءهم وبناتهم تحت السن القانوني ومن يقومون بختان الإناث

معاقبة الذكور البالغين الذين يتزوجون فتيات تحت السن القانونية وإبطال هذه الزيجات

تطوير البيوت الآمنة التي تقيمها الدولة من منظور حقوقي وكذلك إدارات مكافحة العنف القائم على النوع

مواجهة الخطاب الابوي المتسامح مع العنف أو المؤدي إليه من أبواق الدولة الاعلامية والدينية الخ

تبني سياسات وتشريعات تناهض العنف والتمييز في العمل والتعليم والأسرة

تبني هدف تمكين النساء لا في المؤسسات السياسية فقط (البرلمان والمحليات الخ) وإنما المؤسسات الاجتماعية أيضا كالنقابات والاتحادات والجمعيات