التقرير السياسي التاسع الصادر عن الجمعية العمومية لحزب العيش والحرية (تحت التأسيس)

مقدمة:

ما يزال نظام السيسي ماضياً في تأسيس دولة الاستبداد والقمع بخطى حثيثة، مستمراً في مصادرة كافة وسائل التعبير السلمي والديمقراطي، ومصراً علي غلق أي متنفس لممارسة السياسة في مصر، مكرساً القبضة الأمنية علي كافة أشكال العمل العام، ضارباً بحقوق الإنسان عرض الحائط.

لا يمكن فصل إصرار النظام المصري وطبقته الحاكمة علي ترسيخ وتأسيس الاستبداد السياسي والثقافي بمعزل عن أزمة النظام المتواصلة علي مدي العقد الماضي، والتي وصلت لأوجها مع ثورة 25 يناير، والتي مثلت بمشروعها الديمقراطي الجذري أكبر تحدي لسلطة واحتكار تلك القلة الفاسدة علي تنوع أشكالها، كان النظام ومازال يسعى حثيثاً لتثبيت استقراره الهش بمختلف وسائل القمع والتنكيل ومصادرة الرأي، ولا يعني تزايد توحش النظام في ضرباته البوليسية إلا تزايد أزمته بالضرورة، ولا يمكن النظر لذلك بمعزل عن الأزمة الاقتصادية المتجددة، والتي دخلت منحني جديد نتيجة للسياسات الاقتصادية، والتي يصر النظام علي إتباعها بالرغم من نتائجها الكارثية، وخضوعه لسياسات المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، وانحيازهم الواضح ضد الفقراء، لصالح احتكارات رأس المال متخطية الجنسيات، والتي تسعي لتصدير أزمة النظام الرأسمالي المستمرة إلي الدول الأقل تقدماً مثل مصر، ولكن لا يمكنهم ذلك بدون تواطأ الطبقة الحاكمة المصرية، التي تسترضي أقطاب النظام الرأسمالي العالمي علي حساب المواطنين المصريين.

كما يلعب النظام المصري علي وتر صعود المد اليميني في أوروبا وأمريكا، الذي يتم تغذيته بالخوف المتزايد من التهديد الإرهابي للمتطرفين الإسلاميين، والذي يستغله النظام المصري ليقدم نفسه كحائط صد أمام وصول ذلك التهديد لأوروبا، وكحل ممكن للسيطرة والتعامل مع ذلك التهديد، وعلي الرغم من الإخفاقات الأمنية المتتالية، إلا أنه مازال يروج، وبنجاح بشكل أو بأخر، لتلك النظرة، وينطلق منها لمنح الشرعية لوجوده ولسياساته القمعية التي تطال المعارضة المدنية السلمية بالأساس، ليحصل علي مباركة دولية لسياساته الاستبدادية، وغض الطرف عن انتهاكاته المتتالية لكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والشخصية للمصريين.

أضف إلي ذلك النظرة الطبقية المتعالية علي الفئات الأفقر في المجتمع التي يتبناها النظام وطبقته الحاكمة، وهو ما يمكن رصده في تصريحات العديد من أقطاب المال في مصر، إضافة إلي العقلية التي يتبناها النظام باعتباره فئات بعينها في مصر أحق بامتيازات ترفعهم فوق باقي المواطنين، من أعضاء السلك القضائي، والشرطة، والجيش، وتترجم تلك النظرة الطبقية الرجعية إلي سياسات مثل السعي لإلغاء مجانية التعليم، ليصبح مقصوراً علي أبنائهم فقط، ورفع الدعم عن الفقراء لصالح زيادة أجور موظفي الطبقات الحاكمة في الدولة، وبقاء الوضع الضريبي الشاذ في مصر كما هو، والذي يحمل الغالبية الفقيرة من الشعب عبء الإنفاق الحكومي، والذي يصرف علي تلك الطبقة الفاسدة بمختلف فئاتها.

لا يسعى هذا التقرير إلي عملية توثيق مجردة للأحداث والمتغيرات التي تلاحقت في الأشهر القليلة الماضية، علي قدر ما يحاول رؤيتها في ظل صورة أشمل، يسعى من خلالها للوصول لتحليل أعمق، والخروج برؤية ممكنة للعمل والمقاومة، وتقديم بدائل وإجابات علي العديد من الأسئلة التي تطرحها اللحظة الراهنة.

أولا – الديمقراطية والحريات والحقوق العامة

1 – الهجمة الأمنية

شهدت مصر صيفاً ساخناً بمعني الكلمة علي أكثر من مستوي، بدأ بإلقاء النظام المصري لأحكام القضاء في سلة القمامة، وبيع جزيرتي تيران وصنافير للمملكة السعودية، في محاولة للخروج من الأزمة التي وضع النظام مصر فيها بإهداره لمليارات الدولارات في ما سماه بالمشاريع القومية غير المدروسة، والتي التهمت احتياطي النقد الأجنبي ولم تدر العائدات التي روج عنها نظام السيسي.

وتبع ذلك حملة الاعتقالات التي استهدفت قوي المعارضة السياسية الديمقراطية الرافضة لسياسات النظام، وبالأخص البيع والتفريط في جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، لتمتد الاعتقالات بين مختلف القوي والأحزاب السياسية، بل وحتى طالت من توقف عن العمل السياسي والعام منذ فترة، في سعي حثيث من النظام لقتل المناخ العام بالكامل، ومثال ذلك محاكمة عدد من شباب الأحزاب الديمقراطية بقانون الإرهاب بتهم وهمية وغير منطقية، وصولاً للحكم علي بعض الشباب بالسجن، مثل حالة الشاب أندرو ناصف الطالب بتجارة الزقازيق، والذي حوكم بقانون الإرهاب، وحكم عليه بخمس سنوات بتهمة ملفقة، وهي “الإعداد للترويج لارتكاب جرائم إرهابية بالكتابة بأن حاز محررات تحوي أفكار ومعتقدات داعية لارتكاب أعمال عنف على النحو المبين بالتحقيقات”، وذلك بمقتضى المادة 28 وغيرها من قانون مكافحة الإرهاب الصادر في أغسطس ٢٠١٥، في تحدي صارخ لكل قواعد العدالة والمنطق، كما ستتم أيضا محاكمة الطالب جمال عبد الحكيم العضو المؤسس في حزب العيش والحرية “تحت التأسيس”، وإسلام مرعي أمين تنظيم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ومحمد الشرقاوي المحامي المستقل حزبياً في محكمة جنايات الزقازيق بموجب مواد متنوعة من قانون الإرهاب أيضا، وجميعهم بالإضافة لأندرو تم القبض عليهم خلال مايو ويونيو الماضي إبان الهجمة الأمنية المصاحبة لتمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية.

2 – حرية الرأي والتعبير

واستمراراً لسياسة قمع الحريات، وتبني سياسة إعلام الصوت الواحد التي تميز الأنظمة الاستبدادية، حجبت الحكومة المصرية عدد من المواقع الإخبارية، والتي وصل عددها طبقاً لأخر إحصاء إلي أكثر من 434 موقع إنترنت، إلي جانب التضيق علي الجرائد المطبوعة والقنوات الفضائية التي لا تتبع توجه الدولة، وتصفية كافة الأصوات المعارضة بها.

وامتداداً للمنهج الاستبدادي الرجعي للنظام المصري، والقوي الرجعية المؤيدة والداعمة له، تزايدت الأحكام القضائية الصادرة ضد مفكرين وكتاب وروائيين، وحتى المواطنين العاديين، الذين يعبرون عن أرائهم المختلفة، سواء في الصحافة والإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكل ذلك باستخدام قانون ازدراء الأديان، وفي نفس الوقت تعطل الحكومة إصدار قانون مكافحة التحريض والكراهية والتمييز، والذي يهدف للحد من خطاب الكراهية المتفشي ضد الأقليات الدينية والعرقية في مصر، وفي نفس الوقت قدم الأزهر مشروع قانون جديد يعيد إنتاج محاكم تفتيش العصور الوسطي، ويفرض رقابة علي الآراء التي يراها الأزهر مخالفة لرؤيته، ليقدم نفسه كسلطة دينية أعلي تمارس رقابة علي معتقدات المواطنين.

3 – الحريات الشخصية

ومن نفس المنطلق، نصبت الدولة المصرية نفسها وصية ورقيبة علي الميول الجنسية للمواطنين، وأطلقت هجوم منهجي على المثليين والعابرين جنسيا وعلى المتضامنين معهم، متمثلا في هجمة أمنية ضخمة منذ نهاية شهر سبتمبر الماضي على إثر حفلة فرقة “مشروع ليلى”، والتي تكسب منها حيتان البيزنس الملايين، ودعم الحملة المسعورة إعلام الصوت الواحد التابع للنظام، الذي يدار من قبل نفس الأجهزة الأمنية، فوصلت حصيلة الهجمة إلي أكثر من 60 قضية ممارسة وتحريض على الفجور من قبل مباحث الآداب في شتى المحافظات، بالإضافة لقضية رأي (أمن دولة) خطيرة، اعتقل فيها سارة حجازي واحمد علاء بتهمة إنشاء تنظيم وترويج أفكار تشجع على المثلية، وكل ذلك لمجرد رفعهم علم قوس قزح للتضامن مع حق المثليين، وكأن الدولة عملت على تحضير “عدو جديد للشعب”، هو المثليين والمتضامنين معهم، واستهداف المنظمات الحقوقية الثمانية التي رفضت هذه الهجمة ببلاغات من أذناب النظام، مستغلا عدم معرفة شريحة واسعة من المجتمع المصري بالأبعاد العلمية والقانونية للقضية، ومتفقا مع القوى الدينية المتطرفة التي يفترض أنه يحاربها، ويقدم نفسه باعتباره حامي التقاليد والأعراف، مستخدماً في ذلك مواطنين أبرياء، علي مذبح التخلف والجهل والرجعية.

ثانيا – أشكال متعددة للمقاومة

1 – نضال العمال

علي الرغم من مناخ الإحباط العام، تظهر أشكال وتجارب مختلفة من المقاومة، تمثل الإضرابات العمالية أحد أهم صورها، والتي تتزايد بمعدلات واضحة نتيجة للوضع الاقتصادي المتردي الذي تعاني منه البلاد، ويتواصل نضال العمال من أجل الحصول علي حقوقهم المشروعة، ومقاومتهم المستمرة للسياسات المنحازة للنظام ضد حقوق العمال لصالح أصحاب العمل ورجال الإعمال، مثال علي ذلك عمال مصنع أفكو بالسويس، وعمال مصنع أسمنت طرة، وعمال مصنع أسمنت السويس، حيث نظم العمال إضرابات للمطالبة بحقوقهم، ووجهوا بهجمات أمنية شرسة، ليتعرض أغلب العمال للفصل والسجن، ويتواصل نضالهم من أجل انتزاع حقوقهم، وتنظيم أنفسهم، ولكن تعاني تلك التجارب من ضعف واضح يؤثر علي قدرتها علي تحقيق أهدافها، ويرجع ذلك لعدة أسباب، منها ضعف أو عدم وجود التشكيل النقابي في أغلب المصانع، وقلة أو انعدام الخبرة لدي عدد كبير من العمال حديثي العهد بالعمل النقابي، هذا إلي جانب التوحش الأمني المتزايد، والذي يواصل توجيه ضرباته المتتالية إلي أي محاولة تنظيم يقوم بها العمال.

وكذلك إضراب عمال مصنع غزل المحلة الدوري للمطالبة بالزيادة السنوية في المرتبات والمكافئات والحوافز، ولكن، وعلي عكس نجاحات الأعوام الماضية، مر الإضراب بدون انتصار ملموس، بل يمكن القول أن الإضراب فشل في تحقيق أهدافه، كما تم تحريك قضية ضد قيادات الإضراب تنظر حالياً أمام المحاكم، ويرجع ذلك لأسباب عدة، أهمها، رغبة الدولة في تصفية ما تبقي من مصانع القطاع العام، فأصبح توقف الإنتاج نتيجة للإضراب يصب في مصلحة الدولة، والتي ترغب في بيع المصنع منذ فترة طويلة، ويتكرر الأمر في معظم مصانع القطاع العام، والتي ترغب الدولة في تصفيتها وبيعها، وهو ما يطرح تحدي جديد علي الحركة العمالية، ومعها قوي وأحزاب اليسار المصري.

وعلي الرغم من الضربات الأمنية المتتالية، والتربص الأمني المستمر بكل محاولات العمال في تنظيم أنفسهم، إلا أن نضال العمال مستمر، ويتواصل علي الرغم من الكبوات والعقبات التي تقابله، وتنجح تجربة وتفشل عشرات، ولكن الحركة مستمرة وتتعلم من أخطائها، وتتواصل كجزء لا يتجزأ من النضال المتواصل لبناء دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تحقق مجتمع العدالة والمساواة.

2 – حملة “بدل ما تقفلوها شغلوها”

وفي هذا السياق، أطلق مكتب عمال حزب العيش والحرية حملة “بدل ما تقفلوها شغلوها”، والتي تسعي لإعادة تشغيل الشركات المملوكة للدولة، والتي تم إغلاقها وتسريح عمالها، وتم بيع أغلبها إلي القطاع الخاص، قبل أن تصدر أحكام ملزمة بإعادتها لملكية الدولة، بسبب الفساد الذي تم في عمليات البيع، وتلكأت الدولة في إعادة الاستحواذ علي تلك المصانع والشركات، وتركتها مغلقة، وقامت الحملة بحصر عدد من تلك الشركات، وتقديم بضعة اقتراحات عملية لإعادة التشغيل، وإدماجها في الاقتصاد المصري، حتى تبدأ في تحقيق أرباح تسمح باستمرارها في العمل، وتدفع كذلك الاقتصاد المصري خارج الأزمة التي تفترسه.

3 – قانون قتل النقابات الجديد

استهدف النظام المصري العمل النقابي والطبقة العاملة بإصدار مجلس النواب لقانون التنظيمات النقابية والعمالية وحق التنظيم النقابي، والذي يصادر حق التنظيم النقابي فعلياً تحت مسمي تقنينه، لتنحاز الدولة بمختلف مؤسساتها دائماً لصالح أصحاب العمل من رجال الأعمال، وتمنع فعلياً، طبقاً لنصوص القانون الجديد، تكوين النقابات المستقلة، وتصادر علي حريتها في الحركة، لتنتزع حق التنظيم من العامل، وتحرمهم من حقهم في وجود ممثل لهم من أجل التفاوض علي ظروف العمل والأجر مع أصحاب العمل.

لتحول الدولة العمل النقابي إلي جريمة، ووصل الأمر لتحويل عدد من العمال إلي محاكم عسكرية علي خلفية تنظيمهم إضرابات في مصانعهم للمطالبة بحقوقهم العادلة التي تكفلها كافة المواثيق الدولية التي وقعت مصر عليها، والأهم من ذلك، حقهم في الحياة والتمتع بحقوقهم الإنسانية مثلهم مثل أصحاب العمل الذي تنحاز الدولة لهم.

4 – جزيرة الوراق

تجدد في منتصف الصيف الماضي، مخطط الدولة المصرية الذي يهدف إلي الاستيلاء علي أراضي جزيرة الوراق من سكانها، وتنفيذ حملة إخلاء قسرى غاشمة ضدهم، بشكل مفاجئ وبدون أي سابق إنذار لأهالي الجزيرة، ما نتج عنه وفاة الشهيد “سيد الطفشان” نتيجة طلق خرطوش أطلقته قوات من الشرطة والجيش على أهالي الجزيرة، ثم قامت بحملة اعتقالات عشوائية بين الأهالي لمنعهم من الاحتجاج علي الهجوم، ولكن سكان الجزيرة خرجوا في مظاهرات متتالية لعدة أيام، ما أجبر النظام علي التراجع، ولو بشكل مؤقت، عن تنفيذ عملية الإخلاء، وأجبر علي الجلوس والتفاوض مع سكان الجزيرة، الذين يرفضون الرحيل عن أراضيهم، ويطالبون بتطوير الجزيرة لصالح سكانها، عن طريق دعم البنية التحتية المهملة، وتوفير فرص تنموية تخلق المزيد من فرص العمل، وربط الجزيرة بالبر الرئيسي عن طريق جسور، بدلاً من نظام النقل بالمراكب الموجود حالياً نتيجة تعمد إهمال الدولة لتلك المنطقة، ويمثل ذلك نجاح كبير للمقاومة الاجتماعية، ويظهر قدرتها علي انتزاع الحقوق، والدفاع عن مصالح الناس.

وبدأت الأزمة بعد تصريحات الرئيس السيسى في شهر يونيو الماضي عن أولوية استغلال جزر النيل، والتي أشار فيها بضرورة طرد أهالي جزيرة الوراق بالتحديد، ليعيد إحياء مخططات ومشاريع تتضمن الجزيرة إلي جانب مناطق وأحياء فقيرة أخري، تقوم بها الدولة بهدف “استثمار” الجزيرة من قبل رجال الأعمال والمستثمرين، وذلك علي حساب ملاك الأرض من سكان تلك المناطق، في انحياز فج ضد سكان المناطق المهمشة لصالح الطبقات المستغلة، وسبق أن أثبت سكان الجزيرة ملكيتهم لأراضيهم، وأنهم لا يشغلون أي مساحة من أراضى الدولة كما زعم النظام وإعلام الصوت الواحد، تبلغ مساحة الجزيرة أكثر من 1600 فدان، تمثل أراضي الدولة 3٠ فدان فقط منها، و30 فدان أخري تملكها وزارة الأوقاف، وسبق أن صدر حكم من مجلس الدولة بوقف وإلغاء قرارات نزع الملكية، ولكن الدولة المصرية تصر علي إهدار أحكام القضاء، كما سبق وفعلت في قضية تيران وصنافير.

وتعود تلك المشاريع إلي فترة ما قبل ثورة يناير، تحديداً عام 2002 مع حكومة عاطف عبيد، مرورا بمشروع القاهرة 2050 عام 2008 ومشروع الجيزة 2030، وتعتمد كل تلك المشاريع على فلسفة التخطيط الفوقي بدون أي مشاركة من المجتمعات المحلية أو المجتمع المدني، وتهدف لمصادرة وانتزاع المناطق ذات المواقع المتميزة من ملاكها وأصحابها، ومنحها لرجال أعمال ومستثمرين بهدف إعادة تخطيطها وطرحها في السوق العقاري، وفي نفس الوقت نقل سكانها بعيداً عن قلب العاصمة، وعن مصالحهم وأعمالهم.

وتمثل تلك السياسات انحيازا طبقيا بامتياز، يقوم على أساس التنمية الجغرافية غير المتكافئة، وتنحاز فيه الدولة بسياساتها ضد الطبقات الأكثر فقراً من محدودي الدخل، وفقراء المدن، لصالح المستثمرين ورجال الأعمال المحليين والأجانب، وتؤثر تلك السياسات بالسلب على المدن المصرية، عن طريق توجيه ميزانية العمران في الدولة بشكل غير عادل تجاه مناطق سكن الطبقات الأكثر ثراء، والامتدادات العمرانية للمدن والمجتمعات المسورة، والتي يسكنها الأغنياء، وإهمال مناطق سكن الفقراء في قلب المدينة، أو إخلاءهم قسرياً منها، بهدف إعادة تخطيطها وبيعها للأغنياء، وتهجير سكانها الأصليين إلي مناطق خارج المدينة.

ثالثا: عام المرأة

من المفترض أن عام 2017 هو عام المرأة، كما أعلن السيسي في بداية العام، مما يعني تبني الدولة لسياسات تهدف إلي تقليل التمييز ضد النساء علي مستوي الأجور وفرص التوظيف والترقي إلي وظائف المستويات العليا في الدولة .. إلخ، والعمل علي إنجاز الاستحقاقات التشريعية المتأخرة التي تضمن للمرأة مزيد من المساواة والحقوق التي نص عليها الدستور المصري، ولكن العام قارب علي الانتهاء بدون تنفيذ أي من الاستحقاقات المؤجلة منذ سنوات، بل علي العكس، لقد تأثرت المرآة بدرجة أكبر وأسوء بالسياسات الاقتصادية السيئة التي فرضها نظام السيسي علي المجتمع المصري نتيجة للتمييز الغير عادل ضد المرآة في المجتمع بشكل عام وسوق العمل بشكل خاص.

1 – حق النساء في العمل بالقضاء خاصة مجلس الدولة والنيابة العامة

أضف إلي ذلك، الإصرار علي منع المرآة من حقها العادل في العمل في السلك القضائي، والترقي فيه وصولاً إلي أعلي المناصب، ليأتي أخر فصل من تلك المهزلة مع تقرير هيئة المفوضين الصادر مؤخرا برفض تمكين المرآة من التعيين في وظائف القضاء بمجلس الدولة، وقصر ذلك علي الرجال، في تحدي فج لمبدأ المساواة والعدالة، والذي يفترض أن يقوم عليه القضاء، فعدد القاضيات في مصر 80 قاضية من إجمالي 12 ألف قاضي، وهو ما يشكل وضع تميزي فج وغير مبرر، يتحدى نصوص الدستور المصري نفسه، ويجب تحية النساء المناضلات اللاتي يصررن علي مواصلة نضالهم القانوني لانتزاع حقوقهن المشروعة.

2 – قانون تجريم العنف ضد المرآة

كما تم تعطيل مناقشة وإصدار مشروع قانون تجريم العنف ضد المرآة، المقدم من المجلس القومي للمرآة، وذلك علي الرغم من أن مشروع القانون هزيل من الأصل، ولا يقدم حلول شاملة للقضاء على العنف ضد النساء المنتشر في مصر، حيث أن التحرش الجنسي هو أحد صورها فقط، وليس كل الأزمة، التي تنتشر علي كافة المستويات، حتى داخل الأسرة، حيث تجد المرآة نفسها واقعة تحت التهديد الدائم بالتعرض للعنف الجسدي لفرض سيطرة الذكور، والحد من حريتها في الحركة والتصرف والعمل، تحت ادعاء الحق في القوامة والسيطرة الأبوية علي النساء، سواء من أفراد أسرتها أو من أفراد المجتمع، والذين لا يجدون رادع قانوني حاسم لحماية المرآة من العنف، وحماية حريتها المكفولة بالدستور وكافة المواثيق الدولية.

3 – قضية الطلاق الشفهي

وفي نفس الإطار، طرحت قضية الطلاق الشفهي منذ عدة شهور، لتثار مناقشة محتدمة، انتهت بدون أي إجراءات لضمان حقوق النساء اللاتي يتعرضن للاستغلال، في ظل عدم وجود ضمانات قانونية، فيما يتعلق بحقوق الرجل في تطليق زوجته غيابياً بدون موافقتها، وأحياناً بدون علمها، ويجب التأكيد علي ضرورة وضع ضمانات ملزمة، لضمان حقوق المرأة في الطلاق عند رغبتها، وإلزام الزوج بتبليغ زوجته وحضورها أمام الموثق لتوثيق الطلاق، أو إعلامها علي الأقل عن طريق الوسائل القانونية قبل وقوع الطلاق.

4 – قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين

يناقش البرلمان المصري منذ عدة شهور، مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين، والذي طرح من قبل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية أساساً، ثم أدخلت الكنائس الأخرى عدة تعديلات عليه، ولكن يبدوا أن النقاش لم يصل إلي نتيجة، وفي نفس الوقت يقف البرلمان متفرجاً، في انتظار أن تقرر الكنيسة باعتبارها المسئولة الأولي عن المسيحيين المصريين، دون الدولة، الموقف من ذلك القانون الذي يؤثر علي نسبة كبيرة من المصريين، ومع كامل الاحترام والتقدير للكنائس المصرية المختلفة، إلا أن هناك عدد كبير من المصريين، وبالأخص النساء المطالبات بحقهن في التطليق، متضررين من تأخر صدور ذلك القانون، وهو ما يوجب تصرف سريع ومسئول من قبل مجلس النواب المصري، والإسراع بإصدار ذلك القانون، وعلي الدولة المصرية أن توفر للمواطنين المصريين المسيحيين حقوقهم في الزواج والطلاق عن طريق آليات التشريع والتوثيق، بعيداً عن محاولة فرض أو إجبار الكنائس على تبني وجهات نظر دينية لا تقتنع بها، وكذلك عليها ألا تحرم المواطنين المسيحيين من الأمور التي تبيحها عقيدتهم، مثل التبني والمساواة في الميراث، وعلي الدولة تبني منظومة قانونية واحدة في التعامل مع مواطنيها علي أساس المساواة التي نص عليها الدستور.

رابعا: قضايا المواطنة ومناهضة التمييز

1 – الطائفية

لا يمكن إنكار عمق الطائفية في المجتمع المصري القائم علي رفض الآخر والتمييز ضده، وعلي الرغم من بعض الفترات القليلة التي شهدت مصر فيها حالة من الاستقرار الاجتماعي بدرجة ما، إلا أن التفرقة علي الهوية المختلفة كانت حاضرة دائماً، مثلنا مثل أغلب المجتمعات البشرية، ولكننا علي خلاف أغلب الدول المتقدمة، مازلنا ندفن رؤؤسنا في الرمال، ونهرب من مواجهة الحقيقة، المسيحيون المصريون يعانون من التمييز ضدهم في مصر بسبب معتقداتهم الدينية.

لم تكن الاعتداءات الأخيرة، والتي تفوقت في حقارتها من استهداف لأطفال صغار في رحلة لمزار ديني علي كل ما سبقها من اعتداءات، سوي نقطة في بحر تموج به مصر، ولا يبدوا من الممكن في القريب التخلص من تلك الثقافة المستشرية، فيستمر مسلسل منع المسيحيين من الصلاة بوضع العراقيل أمام بنائهم لكنائسهم، وتعطيل عمل الكنائس القائمة بتراخيص فعلاً، مثل كنيسة قرية الحاجر مركز ساقلته محافظة سوهاج، وكنيسة قرية الشقيري ابو قرقاص المنيا، وكنيسة قرية الشيخ علاء مركز المنيا، ومؤخرا إلغاء الصلاة في كنيسة البابا كيرلس والأرشيدياكون حبيب جرجس بمنطقة شبرا الخيمة، وذلك بسبب تهديدات لمتشددين لمنع الصلاة بها، وهو ما يعد تمييز علي أساس طائفي بامتياز، تمارسه الدولة المصرية بمنعها منح تراخيص بناء الكنائس، وترعاه بوقوفها متفرجة علي هجمات السلفيين في الصعيد علي أماكن صلاة المسيحيين التي ترفض ترخيصها، والأهم من ذلك بتركها السلفيين ينشرون الخطاب الطائفي في المجتمع، تحت سمع وبصر الدولة، بل وتستعملهم في صراعاتها علي مساحات النفوذ مع الكنيسة.

في نفس الوقت، تواصل الدولة المصرية خطابها الأبوي الرافض للاعتراف بعمق الأزمة، وتصر علي قدرتها علي الحل الأمني باعتباره كل المشكلة، وتصدير صورة المجتمع المتجانس، والذي يشذ عنه بضع مارقين، أو خوارج، كما يسميهم الخطاب الديني الرسمي للدولة المصرية والأزهر معها، وكل ما يتطلبه الأمر التخلص الأمني من تلك القلة، متجاهلين الثقافة الطائفية المستشرية، والتي تبث في كافة زوايا المجتمع، من المدرسة والجامع والأسرة، وحتى داخل أروقة المؤسسات الحكومية المختلفة.

يكمن علاج أي مشكلة بالاعتراف بوجودها أولاً، ثم البحث في أسبابها والعمل علي علاجها، في نفس الوقت الذي نتعامل فيه مع مظاهرها ونتائجها، والأزمة الطائفية في مصر، وإن كانت متجذرة في المجتمع، إلا أنها ليست عصية علي الحل، فالحل يبدأ بتنقية مناهج التعليم، والرقابة علي ما يبثه المدرسين في عقول الطلاب، وإلغاء كافة مظاهر التمييز علي أساس ديني في المدارس، لخلق روح المواطنة بين الأطفال، ثم مراجعة الخطاب الديني للمؤسسات الرسمية، لتنقيته من المظاهر الطائفية، والتعامل بحزم مع الاعتداءات المتكررة علي أماكن صلاة المسيحيين، سواء المرخصة أو التي لم تحصل علي ترخيص بعد، وإزالة أي عوائق في التشريعات المصرية تحول دون المساواة الكاملة بين المصريين أياً كانت معتقداتهم، وكل ذلك بالتوازي مع التعامل الأمني مع الهجمات الإرهابية، وكل من يقف ورائها بشكل أو بأخر.

كما يجب التأكيد علي الضرورة الملحة لإنجاز الاستحقاقات الدستورية المعطلة، والخاصة بمكافحة التمييز علي أساس ديني، مثل مفوضية التمييز، ومفوضية العدالة الانتقالية، والتي تشكل الأساس القانوني لإنجاز مهمة المحاسبة على جرائم العنف الطائفي، والتي ستشكل رادع ضد ارتكاب المزيد من الجرائم التي ينجوا أغلب مرتكبيها والمحرضين عليها من المحاسبة، وكذلك القضاء علي التطبيقات المتعسفة لقانون بناء الكنائس القائم علي التمييز أصلاً.

2 – معتقلي الدفوف/النوبة

دخلت قضية عودة النوبيين لأراضيهم منحني جديد، بعد أن قامت الدولة المصرية باعتقال عدد من المناضلين النوبيين صبيحة يوم عيد الأضحى الماضي لتنظيمهم مسيرة سلمية بالدفوف علي كورنيش النيل بمدينة أسوان، وأبقتهم قيد الاعتقال لما يزيد عن الشهرين، حتى توفي المناضل النوبي “جمال سرور” بسبب غياب الظروف الصحية الملائمة داخل السجن، وتعنت الحكومة ورفضها الإفراج عنهم، وكأن جريمة حمل الدفوف تجعل منهم أفراد خطيرين علي المجتمع، تخشي الدولة من إطلاقهم حتى لا يهددوه، كل ذلك في تحدي صريح لنصوص الدستور التي تفرض علي الدولة تنظيم حق عودة النوبيين إلي أراضيهم، أو تعويضهم بأراضي جديدة عنها، وإعطائهم الأولوية في الاستثمار والعمل بالنوبة.

كل ذلك مؤشر خطير علي العقلية الأمنية التي يدير بها النظام دفة الأمور، وإصراره علي التمييز بين المواطنين المصريين علي أساس عرقي وديني، وإطلاق حملة ممنهجة ضد النوبيين في إلام الصوت الواحد التابع للدولة، لتحويلهم إلي فزاعة جديدة، وإثارة النزعات العدائية ضدهم داخل المجتمع المصري.

خامسا: سياسات الإفقار الاقتصادية

مازالت أغلب الأسر المصرية تحاول التعافي من أثار إجراءات “الإصلاح الاقتصادي” الذي تتبناه الحكومة المصرية نتيجة لضغوط صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية العالمية، من أجل تنفيذ شروطها وسياساتها، التي تهدف لتحميل عبء الأزمة الاقتصادية العالمية علي الاقتصاد المصري، والطبقات المصرية الفقيرة، بتقليل الإنفاق الحكومي علي الدعم وشبكات الضمان الاجتماعي، ومنح تسهيلات ضريبية وإجرائية للرأسمالية العالمية في السوق المصري، وإهدار حقوق العمالة المصرية لصالح الرأسماليين سواء المحليين أو الأجانب، وتسهيل خروج فوائض الأرباح التي تحققها تلك الرأسمالية في السوق المصرية، التي تواصل استنزافها منذ عقود.

ونتج عن ذلك الإصلاح المزعوم تآكل الجانب الأكبر من القيمة الحقيقية لدخول تلك الأسر، نتيجة لارتفاع أسعار جميع السلع تقريباً بنسب مختلفة، متأثرة بارتفاع أسعار الوقود بعد قرار الحكومة المصرية تخفيض الدعم عليه، وفقدهم لنسبة كبيرة من قيمة مدخراتهم في ظل انهيار الجنيه المصري أمام العملات الأخرى بعد قرار التعويم في نوفمبر 2016، فارتفعت قيمه الدولار مقابل الجنيه ما يقرب من 250%، ما بين سعر 8 جنيه للدولار وصولاً إلي 20 جنيه للدولار قبل أن يتراجع السعر قليلاً، ومع الوضع في الاعتبار أن مصر دولة مستوردة بالأساس، فإن قيمة الدولار مقابل الجنيه تؤثر مباشرة علي أسعار السلع والخدمات التي يستهلكها المواطن المصري.

وبالتوازي مع إجراءات التقشف الذي تحمله الدولة المصرية بالكامل علي غالبية المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل عن طريق الضرائب علي الدخول الثابتة والضرائب غير المباشرة كضريبة القيمة المضافة، وتمتنع عن تنفيذ الضرائب التصاعدية، في نفس الوقت الذي تواصل الدولة إهدار مليارات الجنيهات علي مشاريع ثانوية لا تفيد إلا الشرائح الغنية ورجال الأعمال، تتوسع سياسية الاقتراض لسد عجز الموازنة المتزايد، حتى وصلت الديون الخارجية لما يزيد علي 79 مليار دولار، هي أعلي مديونية خارجية في تاريخ مصر، سيتحمل عبئها الأجيال القادمة.

و مع إعلان الحكومة لتبني سياسات الشمول المالي المتبعة في أغلب دول العالم، لم تطرح الدولة أي خطة ملموسة لتحقيق عدالة ضريبية، تضمن إخضاع المتهربين من الضرائب من أصحاب الأعمال، والذين يحققوا أرباح ضخمة في مقابل دفع أجور متدنية للعاملين لديهم، وفي المقابل لا يساهمون في الإنفاق العام عن طريق الضرائب، والتي يتحملها العاملين لديهم، وموظفي الدولة، وهو ما يجب معالجته لتحقيق عدالة في توزيع الإنفاق العام، وتخفيف العبء علي محدودي الدخل.

كما تتناسى الدولة عند طرحها لسياسات الشمول المالي، أن هناك قطاع كبير من المصريين غير قادرين علي فتح حسابات بنكية، وذلك بسبب اشتراط إثبات الوظيفة الحالية، وهو ما يجعل من المستحيل فتح حسابات بنكية للعاملين في القطاع غير الرسمي، والذي يشكل النساء معظم العاملين فيه، مثل العاملات الزراعيات وعاملات المنازل والعاملات بدوام جزئي .. الخ، ويقدر عددهن بالملايين، والذي لا يوجد اعتراف رسمي بعملهن، ما يمنعهم من فتح حسابات بنكية، ومن ثم يستفدن من سياسات الشمول المالي، وأيضاً يحرمهن من ميزة الفوائد البنكية المرتفعة، والتي أقرتها الحكومة في محاولة لتقليل أثر التضخم علي المواطنين المصريين، ما يضاعف من أثار الأزمة الاقتصادية علي ذلك القطاع بشكل عام، وعلي النساء بشكل خاص، واللاتي يعانين أصلاً من تمييز غير عادل في الأجور والمرتبات، في ظل تحملهن المزيد من الأعباء المالية.

وهذا علي الرغم من تصريحات مندوب صندوق النقد الدولي حين زار مصر في بداية العام وقال إنهم يبحثون مع الحكومة المصرية آليات إدماج النساء في سوق العمل، تحسبا لازدياد البطالة بين النساء (ونسبة البطالة أكثر ارتفاعاً بين النساء عن الرجال بالفعل) بعد التعويم والإجراءات الأخيرة، وهو ما لم يتم، ولم نرى ترجمة لأي من تلك السياسات علي أرض الواقع.

ويجب التأكيد علي ضرورة إنهاء الوضع الشاذ بوجود سوق عمل غير رسمي، لا يتمتع العاملين فيه بأي ضمانات أو أوضاع قانونية تحميهم وتكفل لهم حقوقهم الأساسية، وتضع علاقة العمل بينهم وبين أصحاب العمل تحت رقابة القانون، مع العلم أن سوق العمل الغير رسمي يشكل الغالبية العظمي من فرص العمل في مصر، في ظل تواطؤ النظام مع أصحاب العمل لبقاء الوضع علي ما هو عليه، ليظل العمال المصريين بلا أي حماية قانونية في مواجهة بطش رأس المال المستغل.

سادسا: الانتخابات الرئاسية

لا يمكن إنكار ثقل الضربة التي تعرضت لها القوي الديمقراطية في الأشهر القليلة الماضية، بفقدانها عدد كبير من كوادرها في سجون النظام علي خلفية معركة الجزيرتين، والتي حدت من قدرة القوي الديمقراطية علي الحركة والتأثير، والتي كانت محدودة من الأساس، ولكن، وعلي الرغم من ذلك، تحمل تلك الضربة مؤشراً مهماً علي الوضع السياسي للنظام المصري، ففي ظل تفاقم السخط الشعبي المستتر تحت السطح من السياسات الاقتصادية التي أثرت بالسلب علي كافة فئات المجتمع المصري، يحتاج النظام لإحكام قبضته، ودفع القوي السياسية الديمقراطية المعارضة خارج المشهد بالكامل، وإبقاء ثنائية الدولة والإرهاب من أجل خلق شرعية وهمية للحفاظ علي وجود النظام بمنطق الدولة أو الـ لا دولة، ولذلك تحديداً تحتاج المعارضة الديمقراطية أن تدفع بنفسها إلي داخل المشهد السياسي بقوة بدلاً من الانسحاب خارجه، فعلي الرغم من حالة الإحباط العام، إلا أن الوضع السياسي الحالي لا يحتمل المزيد من التراجع والإحجام، بل علي العكس، يتطلب الوضع التقدم للمعركة القادمة بكافة السبل المتاحة لانتزاع مساحات جديدة للحركة، والدفاع عن المساحات التي يحاول النظام القضاء عليها.

تشكل الانتخابات الرئاسية القادمة فرصة مناسبة لتنظيم صفوف كافة القوي الديمقراطية في المجتمع المصري في محاولة لكسر حاجز الاستبداد الذي هيمن علي المشهد السياسي طوال السنوات الأربع الماضية، وطرح مشروع سياسي اقتصادي بديل عن سياسات الإفقار الكارثية التي ينفذها النظام الحالي، وطرح حلول وخطط حقيقية للقضاء علي خطر الإرهاب المحدق بالمجتمع المصري، ويحتاج ذلك للتعاون والتنسيق بين مختلف القوي السياسية علي أساس مشروع ثورة 25 يناير القائم علي بناء نظام ديمقراطي في القلب منه العدالة الاجتماعية، وإشراك أفراد المجتمع في إدارة وتقرير شئونهم، وطرح برنامج سياسات اقتصادية بديلة يتسم بالواقعية والقابلية للتنفيذ، يتم صياغته في شكل نقاط واضحة يتم طرحها علي المجتمع المصري، ولا يمكن تقييم استعداد المجتمع المصري للتجاوب معنا بدون التفاعل المباشر والتجربة، وهو ما يمكن تحقيقه عن طريق الحملة الانتخابية، والتي ستشكل بيئة مناسبة لتجميع القوي الديمقراطية علي اختلافها، وستسمح بخلق تعاون مشترك وتحالف ناجح.

كما لا يمكن بناء عملية انتخابية شفافة ونزيهة بدون وجود رقابة مجتمعية وسياسية حقيقية وفعالة علي العملية الانتخابية، وهو ما لا يمكن تحقيقه بدون الاشتباك وفرض الآليات الديمقراطية علي النظام والدولة، ولا تنتزع الضمانات بالإحجام عن المشاركة، وترك الصناديق تحت رحمة الفساد والتلاعب، بل بفرض الرقابة، وإجبار الدولة علي احترام حق المواطنين في إبداء رأيهم، والنضال من أجل عملية ديمقراطية شاملة شفافة ونزيهة.

بالإضافة لتنسيق وتطوير العمل مع القوي السياسية الديمقراطية المختلفة، والعمل علي بناء حملة انتخابية واسعة تمثل أوسع طيف ممكن من القوي السياسية ذات مرجعية ثورة 25 يناير ومشروعها الديمقراطي الجذري والعدالة الاجتماعية، وذلك عن طريق جبهتين متقاطعتين بالضرورة، الأولي ديمقراطية، تقوم علي أساس الحريات العامة والسياسية، وتضم كافة القوي التي تشاركنا رؤيتنا الرافضة للاستبداد السياسي والرجعية، حتى وإن اختلفت معنا في رؤيتنا الاقتصادية الشاملة، مع التأكيد علي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للمواطنين، والثانية يسارية، تقوم علي أساس مشروعنا الاقتصادي الاجتماعي، بطابعه الاشتراكي، وتتكامل الجبهتين معاً لخلق الجناحين المحركين للحملة، وتسهمان معاً في خلق حراك اجتماعي، وتدفعان في فتح نقاشات سياسية ومجتمعية تهدف لطرح السياسات البديلة، وكسر حالة الجمود الفكري التي يسعى النظام المصري لترسيخها بكافة الوسائل القمعية والاستبدادية.

تتنوع وتتعدد القوي والجبهات والتحالفات السياسية التي يمكن العمل والتنسيق معها من أجل إنجاح تلك المهمة، مثل النقابات المستقلة، والعمل معها علي دعم وتطوير نضالها من أجل خلق بيئة تشريعية تضمن حقوق العمال في مختلف القطاعات والأعمال، والدفاع عن حق العمال في المطالبة بحقوقهم، واستخدام كافة الوسائل السلمية في ذلك، ومن بينها وسيلة الإضراب عن العمل والاعتصام، ووقف التنكيل والتربص الأمني بالعمال ونقاباتهم المختلفة.

كما تمثل تجربة مقاومة سكان جزيرة الوراق لمحاولة الدولة إنتزاع أراضيهم ومساكنهم تجربة مهمة، يجب التواصل معها ودعمها، وتبني خطاب داعم لحق سكان المناطق الفقيرة في دعم الدولة وتطويرها لمناطقهم، دون طردهم منها، والاستيلاء عليها لصالح حفنة من رجال الأعمال والسماسرة العقاريين، في عملية لا تختلف كثيراُ عن السرقة بالإكراه، والعمل علي خلق رأي عام قوي، يدعم حقوق الفقراء في حياة كريمة، وتقديم مشروع وطني شامل لتطوير تلك المناطق لصالح سكانها، وخلق فرص عمل وتنمية دائمة، للقضاء علي البطالة، وتوفير حياة كريمة للمصريين.

وكذلك الأقليات الدينية، كالمسيحيين والبهائيين، من أجل العمل علي القضاء علي كافة أشكال التمييز ضدهم، وخلق بيئة تشريعية تضمن إلغاء كافة أشكال التمييز علي أساس الدين، وتحقق حرية اعتقاد حقيقية كما نص الدستور المصري، وإنهاء كافة أشكال الوصاية علي معتقدات المواطنين، والعمل علي بناء مناخ متسامح في المجتمع المصري، وإنهاء دعم الدولة لكل أشكال التطرف والتمييز ضد المواطنين علي أساس ديني.

كما يجب دعم قضية النوبيين العادلة، في حقهم بالعودة إلي أراضيهم التي انتزعت منهم، وأجبروا علي الهجرة منها لصالح بناء السد العالي، وتقديم تعويضات عادلة علي خسائرهم نتيجة للتهجير وتركهم أراضيهم وبيوتهم ومصالحهم، وطرح مشروع تنموي شامل للمنطقة، في إطار مشروع تنموي شامل لمصر، يلعب أبناء النوبة الدور الأساسي فيه علي أرضهم، وإعطاء أبناء النوبة الأولوية في حصاد ثمار التنمية التي تنتجها سواعدهم.

كذلك التوجه للمرآة المصرية بتصورات واضحة لإنهاء كافة أشكال التمييز ضدها، ومنها كافة الحقوق المتساوية في العمل، وحرية الحركة، والتحكم في مصيرها داخل مؤسسة الزواج، وفي تولي المناصب العليا داخل جهاز الدولة المصرية علي قدم المساواة مع الرجل علي أساس الكفاءة والخبرة .