نرفض عقد الإذعان الدستوري الجديد.. وندعو المناضلين في سبيل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية للتصويت بلا

يكرر حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) رفضه لما يسمى بالتعديلات الدستورية المقترحة من البرلمان، والتي نراها عدوانًا شاملًا على ما تبقى من مواد معقولة في هذا النص الدستوري، وندعو كل المناضلين في سبيل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والطامحين لدولة مدنية لا تميز بين مواطنيها على أي أساس إلى رفض هذا العبث عبر التصويت بلا في الاستفتاء المزمع إقامته الأسبوع القادم.

مع خروج الصيغة النهائية لهذه التعديلات للنور، يتضح للجميع ما شددنا عليه بمجرد طرح المسودة الأولية للنقاش في لجان البرلمان، وهو أننا بصدد محاولة لتركيز السلطة بشكل مطلق في منصب رئيس الجمهورية والدائرة الأمنية- العسكرية المحيطة به وتحصين قرارتها من أي مراجعة. فأتت الصيغة النهائية بتلفيق يسمح لرئيس الجمهورية بالبقاء في موقعه لأكثر من عشرة أعوام إضافية على الأقل، ولتطلق يده في تعيين النائب العام – محامي الشعب المفترض- وكذلك رئيس المحكمة الدستورية العليا المنوط بها الرقابة على دستورية القوانين عبر رئاسته للمجلس الأعلى للهيئات القضائية، هذا بخلاف سلب مجلس الدولة اختصاصه الأصيل في مراجعة العقود التي تبرمها الدولة وقصر هذا الاختصاص على مراجعة عقود ذات قيمة بعينها. ويزداد الطين بله بمد اختصاص القوات المسلحة لحماية “مدنية الدولة” على الرغم من درس التجربة الماثل أمام أعيننا منذ انطلاق الثورة المصرية في ٢٠١١ وهو أن حماية مدنية الدولة لا يكون إلا بالديمقراطية الحقيقية المرتكزة على استقلال وتوازن السلطات وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين في الدستور والقوانين. باختصار، حال مرت هذه التعديلات المقترحة سوف ننتهي إلى وضع يتحكم فيه رئيس جمهورية مطلق الصلاحيات، مؤبد المدة، غير خاضع للرقابة، في معاش وحياة المصريين… والنتيجة يمكن توقعها مقدمًا، وهي المزيد من سياسات إفقار المصريين والتفريط في ثرواتهم الطبيعية والمقامرة بمستقبلهم عبر الاستدانة الخارجية والإشراف على تشريعات وممارسات تميز بينهم على أساس الدين والنوع والأصل الاجتماعي.

وما كان لاعتداء سافر بهذا الشكل على الدستور – والذي نراه قاصرًا من الأصل ولا يعبر عن طموحات المصريين – أن يمر إلا بمزيج من الترهيب والنفاق الرخيص. فبمجرد الإعلان الرسمي عن النية لتعديل الدستور قبل شهرين من اليوم وماكينة الاعتقالات تعمل بكفاءة ضد كل من تشتم معارضته لتلك التعديلات أو كل من ينتوي العمل على الأرض لرفضها، حتى ولو كان منتميًا لأحزاب مؤسسة قانونيًا. أما ما سمي بحوار مجتمعي حول هذه التعديلات، فلم يتجاوز لقاء عقده مجلس النواب مع عدد من رموز المعارضة في غرفة مغلقة كرر فيها هؤلاء الرموز على مسامع نواب الشعب المفترضين ما يعرفونه سلفًا من مواقف معلنة. وهذا التعامل المسئول لقوى المعارضة المدنية الديمقراطية المصرية لم يقابله إلا مزيد من البلطجة والتشهير والابتزاز على صفحات الجرائد والقنوات الموالية للنظام الحاكم، حتى عندما تنازلت قوى المعارضة وتقدمت بإخطار لتنظيم وقفة احتجاجية رافضة للتعديلات، وفقًا لقانون التظاهر المطعون في دستوريته، قوبلت خطوتها بالرفض المتعجرف. والآن ينفتح المجال لآلاف من المنافقين الصغار الطامحين لوراثة دور الحزب الوطني القديم لغزو شوارع المدن الكبرى بلافتات التأييد لتعديلات لا يعرفوا كنهها ولم ينته البرلمان من التصويت عليها، وتسخر الأجهزة الأمنية نفسها في عملية الغزو تلك بترهيب وابتزاز أصحاب المحلات وصغار التجار للمشاركة.

وبالرغم من انتفاء مؤشرات معقولة لعملية تصويت تحترم الحد الأدنى من ضمانات الحرية والنزاهة، إلا أننا نصر على المشاركة بالتصويت بلا في هذا الاستفتاء.خيار المقاطعة يصبح خيارًا منطقيًا لو اقترن بالقدرة على تفيعله في شكل حملة منظمة تعبر عن غضب الغالبية العظمى المتنامي ضد مجمل سياسات النظام الحاكم. إلا أن السياق الحالي، والذي نجح فيه هذا النظام في نشر حالة من اللامبالاة المقرونة بالخوف بين غالبية المصريين، وحصار قوى المعارضة الديمقراطية، يجعلنا نسعى لاستغلال أي متنفس للتواصل مع الناس حتى ولو كان تواصلًا مبتسرًا وظرفيًا. قد يكون وضع الحركة الجماهيرية الديمقراطية غير مبشر في بلدنا في الظرف الراهن، إلا أن هذا الهدوء البادي على السطح ينطوي أيضًا على حالة ترقب ومتابعة لكل ما يجري ويخطئ من يظن أن هذا الشعب يمكن خداعه بسلاسة. وفي هذه الحالة، فالغالبية العظمى من المصريين تريد أن تستمع لوجهة نظر مختلفة عن الدعاية الحكومية الرخيصة، تريد أن تستكشف بديلًا عمليًا يشكل مخرجًا من أزماتها الاجتماعية المستحكمة، حتى ولو لم تكن مستعدة للتعبئة مباشرة للدفاع عن هذا البديل. قد لا تتحرك جماهير شعبنا الآن ولكن من المؤكد أنها تستمع وتراقب، وفي هذا الظرف فلدى المعارضة المدنية الديمقراطية، واليسار في القلب منها، ما تقوله. فلنسنغل تلك الفرصة المجتزأة إذًا، ولنستغل كل فرصة تسمح لنا بالتواصل مع جماهيرنا، وبالتراكم قد نصل لنقطة حرجة تسمح بتحول نوعي في مواقف غالبية المصريين.

أما القول بأن مشاركتنا قد تضفي شرعية على عملية الاستفتاء، فالحقيقة أن النظام الحاكم، وداعميه في الخليج والغرب، لا يشغلوا بالهم كثيرًا بحديث الشرعية، فهم يعرفون أكثر من غيرهم أن هذا الحكم لم يكن ليستقر إلا بمزيج من القمع والتبعية، ويتصرفون على هذا الأساس. ومن ثم فكل مقاطعة لاستحقاق انتخابي يعقده النظام لا تساهم في نزع الشرعية عنه بقدر ما تساهم في ترسيخ الانطباع بأنه اللاعب الوحيد في الساحة و أن معارضته تفتقر للبديل.

ندعو كل الطامحين لدولة مدنية ديمقراطية تعمل لصالح الغالبية العظمى من سكانها، منتجي الثروة والقيمة، إلى التصويت بلا في الاستفتاء المزمع إقامته الأسبوع القادم، وأن يستغلوا هذه الفرصة للتواصل مع أي تجمع محيط بهم في جامعاتهم أو أحيائهم أو محل عملهم، مهما كان ضئيل العدد ومهما بدا ضعيف التأثير، لشرح خطورة هذا العبث الدستوري، والتحفيز على الذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت بلا.