نحو تضامن شعبي لوقف مخططات التهجير والتطبيع

بمجرد سريان اتفاق وقف إطلاق النار مع بداية الأسبوع الماضي، تصاعدت مرة أخرى التصريحات الصهيونية – الأمريكية الداعية لتهجير أهل قطاع غزة لتذكرنا بالطابع الإبادي لهذه الحرب وهدفها النهائي المتمثل في تفريغ أرض فلسطين من شعبها بالقتل والطرد والتشريد. وآخر هذه التصريحات أتت على لسان الرئيس الأمريكي الذي دعا بمنتهى الوقاحة لتهجير قسم من سكان غزة إلى مصر والأردن لحين “تطهير المكان”، على حد تعبيره.

ونحن إذ نضم صوتنا إلى أصوات القوى الوطنية والديمقراطية المصرية التي أعلنت رفضها القاطع لهذا المخطط الهمجي المجرم، نود أن نشدد على بعض الحقائق التي كشفت عنها التصريحات الأمريكية:

أولًا، تذكرنا هذه التصريحات للمرة الألف بالارتباط الوثيق بين حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبين حماية أمن الشعب المصري وسيادته على كامل أراضيه، وأن كل انتقاص من هذا الحق الفلسطيني يعني تهديدًا مضاعفًا لأمننا في مصر وانتقاصًا من سيادتنا الوطنية. كما تذكرنا بخطورة مشروع التطبيع الجديد الذي تقوده بعض القوى الخليجية تحت الرعاية الأمريكية فيما يعرف باتفاقيات أبراهام، وهو المشروع الذي تراجع تكتيكيًا مع بداية الحرب ولكنه عاد ليطل برأسه بمجرد سريان وقف إطلاق النار.

من الواضح لكل ذي عينين أن دور مصر في هذا المشروع التطبيعي ينحصر في تقديم وطن بديل لفلسطينيي قطاع غزة مقابل رشاوى مالية قصيرة الأجل لن تؤدي على المدى البعيد إلا لمزيد من الضعف والانكشاف الاقتصادي ورهن مقدرات شعبنا بسياسات ممالك الخليج وإسرائيل وأولويات طبقاتها الحاكمة. وبالتالي، فإن هؤلاء الفلسطينيين العائدين إلى ما تبقى من بيوتهم، برغم ما لاقوه من أهوال خلال الشهور الماضية، يدافعون موضوعيًا عن أمننا القومي، ودعم صمودهم الأسطوري وتمسكهم بأراضيهم هو في الواقع بمثابة دعم لأمننا القومي.

ثانيًا، إن مواجهة هذه المخططات الجادة والخطيرة تتطلب ما هو أكثر من البيانات الرسمية مهما بلغت درجة التزامها بثوابت النضال الوطني الفلسطيني ومحددات الأمن القومي المصري. مرة أخرى، دعاوى التهجير الأخيرة ليست مجرد تصريحات متطرفة تأتي من هامش المشهد السياسي الإسرائيلي، ولكننا بصدد مخطط استراتيجي يحظى بإجماع مجمل النخبة السياسية الإسرائيلية وقطاعات وازنة في المؤسسات الحاكمة الأمريكية.

وأخذًا في الاعتبار هذا الطابع الاستراتيجي لمشروع التهجير، فلا يمكن مواجهة هذا المخطط إلا بتحول استراتيجي مماثل في السياسة الخارجية المصرية يرتقي لمستوى التحدي المطروح: تحول يضع حدًا لمسار تاريخي طويل من الرهان العبثي على “سلام” يضمنه الطرف الراعي لمشروع إسرائيل التوسعي، أي الولايات المتحدة، ويُجبر فيه الطرف الخاضع للاحتلال والشعوب المهددة بسلاح إسرائيل على ضمان أمن الاحتلال وحدوده. طالما استمر الرهان الحصري على الولايات المتحدة، والتسليم بتحكمها المطلق في مقدرات السلم والحرب في المنطقة، ستتجدد تلك الدعاوى والضغوط تبعًا لتغير حسابات وتوجهات المؤسسات الحاكمة الأمريكية.

ومن البديهي أن الطبقات الحاكمة الحالية في مصر والأردن المتخوفة من هذا السيناريو لا يمكن أن تقدم على مثل هذا التحول الاستراتيجي أخذًا في الاعتبار ارتباطها العضوي برأس المال الخليجي وشبكاته الممتدة إلى الولايات المتحدة، وكذا الطابع السلطوي الفج لحكمها الذي يعلي من اعتبارات تمسكها بمقاعد الحكم فوق كل اعتبار.

بناء على هذه الحقائق، فإننا ندعو كافة القوى النقابية والحزبية والأهلية إلى تضامن شعبي واسع ضد مخططات التهجير، يرفع الشعارات والمطالب الآتية:

– رفض انضمام مصر لأي اتفاقيات تطبيع جديدة قد تدفع باتجاهها إدارة ترامب وحلفاؤها في الخليج.

– تعليق كافة أشكال التمثيل الدبلوماسي المتبادل بين مصر وإسرائيل، وكذا اتفاق المعابر لسنة ٢٠٠٥ الذي ضربت به إسرائيل عرض الحائط، وما يرتبط به من تنسيق أمني ولوجيستي، وذلك لحين إعلان خطة أممية تتضمن خطوات محددة لاستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه في تقرير مصيره وفقًا لقواعد القانون الدولي المتعارف عليها.

– التنسيق مع كافة القوى الشعبية في المنطقة والعالم بهدف تعميق حصار وعزلة إسرائيل على الصعيد الدولي والدفع باتجاه محاسبة قادتها على جريمة الإبادة المستمرة.

– يشمل التنسيق الشعبي العربي كذلك حث القوى الفلسطينية على الشروع الفوري في مسار جاد للمصالحة يتضمن إعادة بناء المؤسسات السياسية الفلسطينية ويفضي إلى مخاطبة العالم بصوت موحد.

الحيلولة دون استغلال الموقف الرسمي الرافض للتهجير لإغلاق معبر رفح بشكل كامل أمام حركة الجرحى وعائلاتهم، أو حتى للتربح المخجل كما رأينا خلال الشهور الأولى في الحرب.

الإفراج الفوري عن عشرات المعتقلين على خلفية التظاهر خلال العام الماضي تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، إذ إن استمرار اعتقال هؤلاء المواطنين يمثل تناقضًا فجًا مع التصريحات الرسمية الرافضة للتهجير.