مصر لمواطنيها

ربما لم يحدث في تاريخ مصر الحديث أن أتى حاكم يعبر بفجاجة عن احتقاره للشعب كما يفعل الرئيس الحالي، وكما بدا في خطابه بالأمس الذي يفترض أنه مع ممثلي المجتمع. صحيح أن جميع من حكموا مصر كانوا يحتقرون الشعب ويستغلونه إلا أنهم كانوا يجملون خطاباتهم برسائل التمجيد والتقدير للشعب إلخ. أما السيسي فيتعامل مع المواطنين وكأنهم قُصر أو فاقدو الأهلية ، ففي نظره لا يجب أن يسأل الشعب المصرى أو يتحفز للدفاع عن نفسه أو يشارك فى تقرير مصيره، فمقدرات هذا الشعب ومصيره يجب أن تبقى ملكا للسيسي ومعاونيه، فهو من يقرر متى على المصريين أن يخشوا على وطنهم ومتى يجب أن يكفوا عن الإعتراض أو حتى التساؤل، ووصل به التسلط والجرأة أن يعتبر أن كل ما يعانيه الوطن أتى من شبكات التواصل وحديث المعارضين وليس من أدائه المتسلط وأجهزته المجرمة وتحالفاته البائسة.

السيسي الذي يصر أن حديثه ليس للنخبة بل هو للموطن البسيط يؤكد بلا ذرة من خجل أن هذا المواطن البسيط لا يشعر بآثار العمل الشاق الذي بذله النظام الحاكم لتحسين حياته ومستوى معيشته بسبب “العمل السلبي اللي بيضيع علينا فرحتنا” ويضلل المواطنين، ويصر على عدم الاعتراف بأن انخفاض قيمة الجنيه منبعه السياسات الاقتصادية التي اتبعها هو وسابقوه وإنما نتيجة لمؤامرات سياسية وأن الموقف العالمي الغاضب لمقتل وتعذيب الشاب الإيطالي وانتباه العالم لحجم الانتهاكات الئي يمارسها النظام هي فى تقدير السيسي نتيجة ثرثرة شبكات التواصل. السيسي لا يري سببا لمشاكل الوطن سوى هذا المواطن الذي يعبر عن معاناته والنقابة التى تحمي أعضاءها وشبكات التواصل وكل أدوات التعبير والتفاعل والاحتشاد للدفاع عن النفس ضد هذه النخبة الحاكمة الفاسدة والمجرمة.

ولم يتردد رأس النظام الحاكم فى خطاب الأمس عن اعتبار حالة الغضب والذهول التي انتابت قطاعات واسعة من الشعب بخصوص توقيع الاتفاق الحدودي مع السعودية سوى تجرؤ من المواطنين عليه وعلى أجهزته، وبدلا من أن يقدم تبريرات قانونية أو تقنية لهذا الأمر تحدث حديثه المبتذل عن حكمته الرشيدة التي منعته من احتلال ليبيا ونهب ثرواتها، لنشعر جميعا بمزيج التسلط والعجرفة والابتذال مع العداء الأعمى للسياسة والتعددية وفكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في أبسط صورها لا سيما حريات التنظيم والرأي والتعبير. إنه لا يرى المصريين سوى رعايا قُصر فاقدي الأهلية يجب عليهم ألا يشككوا فيه وألا يظهروا سوى امتنانهم للاستقرار والأمن الذي أنعم عليهم بهما.

إن الشعب المصري الذي انتفض ضد مشاريع الحكم المستبدة والمتسلطة لن يتوقف عن النضال من أجل حلمه المشروع فى دولة عادلة لكل مواطنيها لا تهدر كرامته ويشارك فيها فى رسم مستقبله وتقرير مصيره. وأكثر ما يخشاه السيسي هو هذه القوة الحية والمناضلة التى أصبحت قلبا نابضا للشعب المصري، والتي لم يستطع هو ودولته رغم كل القمع النيل منها والقضاء عليها كما لم تستطع الجماعات الطائفية وإرهابها هزيمتها لأن الشعب المصري وقواه الحية لا زال مصرا على تجاوز المشاريع البائسة والخيارات البليدة لصالح وطن جديد حر… لكل مواطنيه ومواطناته.