كلمة الزميل محمد بدوي في جلسة العمل الأهلي في مصر ضمن لجنة النقابات والعمل الأهلي:
بداية وفي مستهل الحديث كعضو بحزب العيش والحرية (تحت التأسيس) لا يفوتني أن أذكركم أنه لا مجال لعمل أهلي صحي وسليم في مجتمع لا يتمتع بمجال عام منفتح تمارس فيه حرية التنظيم وحرية الرأي والتعبير دون أن تعاني التهديد بتقييد الحرية مع الإستمرار في صدور قرارات العفو الرئاسي عمن صدرت ضدهم أحكام تتعلق بحرية الرأي والتعبير والإفراج فورا عن كل من تجاوز الحد الأقصى للمدة القانونية للحبس الاحتياطي واتخاذ كافة الإجراءات التشريعية لتعديل قانون الإجراءات الجنائية.
إن المنظور الذي يجب أن تبنى عليه فلسفة القانون واللائحة هي أنه لا بديل لقيام المجتمع وتوفير كافة احتياجاته من تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني و المسئولية المجتمعية والمدنية لكافة الأفراد الطبيعية و الاعتبارية على أساس التشجيع والتحرير والشراكة والثقة ويكون القانون واللائحة للتنظيم والإتاحة ومكافحة الفساد أو التربح من العمل الأهلي أو استغلاله للتهرب الضريبي أما أن يغيب ذلك عن القانون واللائحة بدلا عن الحظر والمواجهة والعديد من مواد القانون التي تتكلم عن الكيانات الارهابية والارهاب وكأن قانون العقوبات والارهاب على الرغم ما يعيب مواده من توسع وصيغ مطاطة ليسا كافيين لمواجهة ذلك.
إن هذه البيئة والفلسفة في صياغة القوانين واللوائح للعمل الأهلي للأسف تخرج لتضع قيودا ومعوقات أمام كافة المبادرات وأمام تأسيس الجمعيات والمؤسسات الأهلية وقيام كافة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين بأدوارهم المجتمعية والمدنية وتجعل من أبسط المبادرات كجمع ثمن اضحية في ظل عدم قدرة الفرد على تحملها كاملة في ظل الظروف الإقتصادية الحالية وتوزيع لحومها خلال الأيام القادمة يضعه تحت كافة العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون في ظل توسع النص في الحظر والقيد.
كطبيب ونقابي بأحد النقابات الطبية وأمين عام مساعد سابق لاتحاد المهن الطبية دعوني اعرض عليكم ما يقف حائلا أمام تشجيع وتنمية العمل الأهلي الخاص بالصحة في مصر في ظل الظروف الحالية.
أولا:
خرج القانون بمادته الرابعة بحظر كافة أشكال العمل الأهلي بغير الشكل القانوني للجمعية والمؤسسة الأهلية وبذلك يحرم القانون العديد من العيادات والمنشآت الطبية ممارسة دورها ومسئوليتها المجتمعية ويضعها تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها بالقانون بل ويقف حائلا أمام الشكل القانوني للشركات أو المنشآت الطبية ذات المسئولية المدنية الغير هادفة للربح على غرار العديد من المؤسسات الطبية في العالم وحتى لو قررت أن أؤسس داخل المنشأة نلاقي اللائحة بتمنع وجود أي نشاط آخر، القانون كمان بيقف حائل أمام العديد من التعاقدات القائمة فعليا بين مؤسسات دولية ومانحة متعاقدة مع مراكز طبية متخصصة لتحمل تكلفة علاج حالات بعينها.
ثانيا:
لم يتعرض القانون أو اللائحة لتنظيم أوجه الصرف على الدعاية للجمعية أو المؤسسة الأهلية ونسبة المخصص من أموال التبرع للدعاية إلى ما يوجه من هذه التبرعات لأغراض الجمعية أو المؤسسة الطبية أو الصحية مما أدى إلى توجيه بعض التبرعات كاملة للدعاية والاعلانات بغرض دعاية الجهة الراعية لنفسها قبل العمل الأهلي ودون مردود حقيقي على تحسين الخدمة الطبية المقدمة للمجتمع.
لم تتعرض اللائحة التنفيذية لوضع حد أقصى لأجور القائمين على الأعمال الإدارية بالجمعيات بخلاف التعاقدات والأجور الفنية المرتبطة بتنفيذ أغراض الجمعية ويجب أن يتم ربط كافة الأجور الإدارية بالحد الأقصى للأجر المعلن من الدولة.
ثالثا بخصوص الجمعيات المصادرة والتي تم تعيين اعضاء مجالس ادارتها تعيينا اداريا خلال السنوات الماضية:
بعض هذه الجمعيات تردى حال تقديم الخدمة الصحية بها في ظل إدارة بيروقراطية من غير المختصين بما أضر بخدماتها ومردودها الاجتماعي
البعض الاخر عمد إلى تأجير العيادات والمنشآت الطبية الخاصة بالجمعيات بمبالغ إيجارية مرتبطة بسعر السوق بل مع تحميل اسم وسمعة المكان وفي ظل هذه القيم الايجارية العالية باتت أسعار تقديم الخدمة الطبية توازي أسعار الخدمة بالمنشآت الطبية الخاصة أو تزيد دون أي بعد اجتماعي.
غاب عن القانون تنظيم تنمية جمعيات عمومية جديدة للجمعيات التي صدرت أحكام حلها بشكل يعمل على عودتها للمنظومة الأهلية ويخرجها من نفق البيروقراطية أو تحويلها إلى منشآت استثمارية.
رابعا خلال فترة الوبائية ظهرت العديد من المبادرات من مجموعات شبابية تقوم على إمداد حالات العزل المنزل باسطوانات الأوكسجين وتوفير العلاج عند الاحتياج ولو كانت المجموعات دي انتظرت رد الجهة الادارية قبل صرف التبرعات في ظل الإغلاق كانت الناس ماتت فالقانون لازم يجعل سلطة الجهة الادارية ورقابتها غير معطلة للمبادرات.
خامسا: الرقابة المالية على الجمعية في يد سلطة الجهة الإدارية ولا أعلم لماذا حادت اللائحة والقانون عن الاكتفاء برقابة الجهاز المركزي للمحاسبات ذو الصفة الرقابية الدستورية.
سادسا: حظر القانون على الجمعيات والمؤسسات القيام على الحصر واستطلاعات الرأي والاستبيانات بما يعيق عملها وبحث الفئات المستهدفة لها.
في ظل ما سبق أجدني أرى ان فلسفة القانون بشكل عام ربما عانت من فلسفة دفاعية قائمة على الحظر وموافقة الجهة الإدارية حتى وإن كانت افضل من القانون السابق ٧٠ لسنة ٢٠١٧ سيء السمعة وعمد القانون الحالي إلى إبراز صفة الإخطار للتأسيس إلا أنها عادت ومنحت الجهة الادارية والوزير المختص الكثير من الصلاحيات ومع الدور البيروقراطي حولت الأخطار لترخيص أيضا.