رفع الأسعار …..قرار محلي بإملاءات دولية

قرار رفع أسعار الوقود لا يمكن عزله عن السياق الاقتصادي العام، وبالذات عن اتفاقات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي. فهذه الزيادات ليست مجرد «اختيار داخلي»، بل جزء من شروط واضحة لبرنامج القرض الذي يفرضه الصندوق، ويقوم على تقليص الدعم ورفع الأسعار بشكل تدريجي وصولًا إلى «تحرير السوق».

صندوق النقد يقدّم هذه السياسات على أنها «إصلاحات» تعالج العجز المالي، لكنها في الواقع تنقل العبء من الدولة إلى المواطنين، وبشكل خاص على الفئات الأفقر. جوهر هذه السياسات يقوم على:

خفض الإنفاق العام والدعم الموجّه للسلع الأساسية.

رفع الأسعار المحلية للوقود والكهرباء لتتوافق مع الأسعار العالمية.

تعويم العملة المحلية أو تقليل تدخل الدولة في تثبيت سعرها.

تقليص دور الدولة في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص.

الحكومة المصرية، في سعيها للحصول على شرائح جديدة من القرض، تنفّذ هذه الشروط بدقة، وغالبًا دون وجود شبكة حماية اجتماعية كافية للفئات التي تتضرر منها بشكل مباشر. والنتيجة أن الفقراء والطبقة المتوسطة يدفعون ثمن ما يسمى «الإصلاح»، بينما ينجو أصحاب الثروات من الأعباء الحقيقية.

رفع أسعار الوقود مثال نموذجي على هذا النهج:

السولار الذي يُستخدم في النقل والإنتاج والزراعة – أي شريان حياة الاقتصاد اليومي – ارتفع بأعلى نسبة (13%)، مقابل (١٠%) ارتفاع نسبة بنزين ٩٥، مما يعني موجة تضخم جديدة ستطال كل السلع الأساسية.

هذه ليست المرة الأولى. منذ 2016، مع توقيع أول اتفاق كبير مع الصندوق، اتبعت الحكومة نفس الوصفة: تعويم الجنيه، رفع الدعم، زيادة الأسعار، بينما تتراجع خدمات الصحة والتعليم والدعم الاجتماعي.

هذه السياسات لا تضر الجميع بالقدر نفسه؛ إذ تتحمّل النساء والفئات الأكثر فقرًا العبء الأكبر من آثارها. فالنساء غالبًا ما يعملن في القطاعات غير الرسمية أو يتحمّلن مسؤوليات إعالة الأسر، ما يجعلهن أكثر عرضة لتأثير ارتفاع الأسعار وتقليص الدعم والخدمات العامة، الأمر الذي يفاقم التفاوت الاجتماعي والاقتصادي القائم.

فالسياسات المفروضة من صندوق النقد لا تعالج جذور الأزمة الاقتصادية، بل تنقل آثارها إلى المواطنين، وتزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وهي أيضًا تقيد قدرة الدولة على رسم سياسات تنموية مستقلة.

Source of featured image: REUTERS / Mohamed Abd El Ghany.