جرائم 3 نوفمبر الاقتصادية في حق الملايين

خرجت علينا الدولة المصرية أمس الخميس 3 نوفمبر بقرارات خطيرة تم تقديمها للرأي العام على أنها الدواء المر الضروري للخروج من الأزمة الاقتصادية، قرارات تضمنت التحرير الكامل لسعر الصرف وأيضا رفع سعري عائد اﻹيداع واﻹقراض لليلة واحدة وبدء رفع أسعار الوقود على جانب آخر. التحرير هو الكلمة الأنيقة لتعويم العملة المحلية وتركها عرضة لقوى العرض والطلب في السوق العالمي الذي تشغل فيه مصر موقع المستورد.

يروجون الأوهام بأن تحرير سعر الصرف هو الحل الوحيد للقضاء على السوق السوداء وأزمة الدولار وتخفيض عجز الموازنة، ولا يقولون إن سياساتهم الاقتصادية والسياسية هي التي أوصلتنا لهذه النقطة، وجعلتهم يبرمون الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ليساعدهم على المضي فيها لا ليساعد البلاد على النهوض اقتصاديا كما يروجون.

تخفيض عجز الموازنة ذلك الهوس النيوليبرالي الذي يتمحور حوله الاتفاق مع صندوق النقد الذي لا يقتصر على تعويم العملة وإنما أيضا إجراءات تقشفية بشعة أبرزها رفع الدعم، وكأن فائض أو عجز الموازنة أمر منفصل عن حياة ورفاهة ملايين البشر.

سياسات الدولة طوال الفترة الماضية لم تصب إلا في نفس الاتجاه. فمن ناحية الموارد الضريبية محدودة وتتركز كلها على الضرائب المباشرة التي تستقطع من الطبقات الشعبية والمتوسطة ولم يفكر أحد في زيادة ضرائب الشرائح الغنية حتى أن ضريبة الأرباح الرأسمالية تم التراجع عنها سريعا. ومن ناحية أخرى، أنفقت الدولة ببزخ على مشتريات أسلحة ومشروعات عملاقة هدفها الدعاية السياسية المحلية وشراء الدعم السياسي من الدول الغربية، واستمر الفشل في إنعاش السياحة بسبب ضيق الأفق والغباء الأمني والرجعية والتضييق على الحريات.

إننا ندرك أن الأزمة العالمية لها آثار على العالم كله وبالتالي ما يروجه صندوق النقد وتروجه الحكومة من خلفه أن الاجراءات الحالية ستزيد الاستثمارات الأجنبية المباشر ما هو إلا وهم، وندرك أيضا أن الركود وعدم الاستقرار السياسي والأمني يؤثر أيضا على النشاط الاقتصادي في العالم كله. لكن شتان بين نظام ديمقراطي منحاز للشعب ويصارحه بالحقيقة وبين نظام استبدادي منحاز لطغمته الحاكمة ويقدم نفسه بأنه فوق كل الطبقات والمصالح لكنه في الحقيقة منحاز للطبقة الرأسمالية الكبيرة من كبار المحتكرين والمضاربين فلا يفاوض غيرها ولا يقدم تنازلات إلا لها، فاللقاءات والمفاوضات الماراثونية وعملية عض الأصابع بين تجار العملة والمستوردين والحكومة في الأيام القليلة الماضية كانت ضرورية قبل أن يتخذ النظام إجراءاته. أما الطبقات الشعبية والوسطى – من يدفعون ثمن هذه السياسات من قوت أولادهم ومستوى معيشتهم – والتي يدعي بيان البنك المركزي مراعاة ظروفها، فلا عزاء لها حيث سيزداد الركود والتضخم معا بدون أي وسائل حماية اجتماعية حقيقية وفي نفس الوقت تحرمهم الدولة الاستبدادية من أي أدوات ديمقراطية يدافعون بها عن مصالحهم فلا نقابات أو جمعيات أو روابط حرة يمكنهم استخدامها لتجميع مصالحهم فيها والدفاع عنها دون مواجهة القمع والتنكيل والأمثلة كثيرة من الاسكندرية لبورسعيد للصعيد ضمن العمال والسائقين والمعلمين والمحرومين من الإسكان.

لقد خرج رئيس الجمهورية مؤخرا يطالب الناس بأن تتحمل الجوع والسهر والمعاناة لكي تبنى مصر، وكأن مصر كيان منفصل عمن يحيوا فيها. لكن الأوهام تنقشع لدى الملايين عن هذا النظام وانحيازاته الذي يطالب الطبقات الشعبية أن تتحمل المعاناة وفقط. فلا شراكة في المعاناة دون شراكة في الثروة. ولهذا نرفض سياسات حكومة الرئيس الاقتصادية، ونعتبرها سياسات معادية لطبقات الشعب الفقيرة والمتوسطة، بما في ذلك حزمة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي ارتبطت بتحرير سعر صرف الجنيه ونتوجه لجمهور حزبنا من الطبقات التي تضررت من هذه السياسات، التي أفقرتها وتسببت في تدهور مستويات معيشتها، بحزمة من البدائل الاقتصادية والاجتماعية تتمثل في:

– إدارة أزمة النقد الأجنبي، التي سببتها سياسات حكومة الرئيس من خلال إدارتها غير الرشيدة للموارد، بأساليب تحد من معدلات التضخم غير المسبوقة وتدعم القطاعات الإنتاجية والسلع الأساسية دون غيرها من القطاعات بالتزامن مع وقف ما يسمي بمشروعات التنمية الكبرى بما سببته من ضغط على الموارد المحدودة من النقد الأجنبي مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها.

– فرض ضريبة رأسمالية مؤقتة لمدة تتراوح بين ثلاث لخمس سنوات، على العقارات غير المستغلة والودائع النقدية التي تزيد قيمتها عن مليون جنية بسعر تنازلي بهدف تقليص العجز في الموازنة العامة وتقليل كلفة الدين العام والتوسع في برامج دعم السلع الغذائية والطاقة.

– إعادة هيكلة نظام ضريبة القيمة المضافة بما يحد من آثارها التضخمية لأدني حدود ممكنة، ورفع ضريبة الدخل بشكل تصاعدي لتصل لنسبة 40% بدلًا عن 22.5% مع إعطاء مميزات ضريبية للقطاعات الإنتاجية كثيفة التشغيل، وإعادة العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية.

– تخفيض سعر العائد على الودائع والاقراض، إلى جانب حزمة أخري من الحوافز التي لا تضحي بالاعتبارات الوطنية والاجتماعية، وذلك لتشجيع الاستثمار القومي ورفع معدلات التراكم الرأسمالي ومن ثم خلق المزيد من فرص العمل مع مراعاة اعتبارات العمل اللائق وعدالة علاقات العمل.

إننا لا نتوجه بهذه البدائل لنظام الحكم، حيث نعتقد أن انحيازات هذا النظام الاقتصادية والاجتماعية تتعارض مع البدائل التي نتبناها تعارضًا جذريًا، وإنما نتوجه بها لجمهور حزبنا والطبقات الشعبية التي ننحاز لها ونتبنى قضاياها، وندعوها في هذه اللحظة الفارقة أن تناضل معانا من أجل برنامج سياسي للعدالة الاجتماعية، يحقق للمواطن المصري الحق في حياة كريمة ومستوي معيشي لائق.