تعويم الجنيه… موجة جديدة من إفقار المصريين وإثراء قلة من أصحاب رؤوس الأموال

مع إعلان الحكومة المصرية التعويم الرابع للجنيه في ظرف عامين، وما تبعه من توقيع اتفاق قرض جديد بقيمة 8 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، تخرج علينا دعاية الدولة لتبشر بانتهاء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أنهكت المصريين على مدار العامين الماضيين.

لكن، ومنذ اللحظة الأولى، يمكن رصد المبالغات، إن لم تكن الأكاذيب، في الخطاب الرسمي الذي يؤكد على أن تلك الإجراءات تهدف بالأساس لخفض التضخم (الذي تخطى وفقًا لبيانات الحكومة 35%) لحماية المصريين من التقلبات الاقتصادية الحادة، بينما تهدف تلك الإجراءات في الحقيقة (التعويم الكامل لسعر صرف الجنيه، ورفع الفائدة إلى مستويات 27.25) ، لإرضاء رأس المال الأجنبي، خاصة الخليجي، الذي يطالب علانية مع شركاءه من الرأسماليين المصريين بالتعويم منذ فترة طويلة، وصولًا إلى سحب العديد من رجال الأعمال المصريين استثماراتهم للضغط على الحكومة، ما يشكل خطرًا داهمًا على استقرار الوضع المالي في مصر.

ويأتي في هذا السياق صفقة رأس الحكمة، التي لا نزال نجهل السواد الأكبر من شروطها، والهادفة بالأساس لضخ 24 مليار دولار لتزويد الحكومة بالسيولة اللازمة لتعويم الجنيه بشكل يضمن لها السيطرة على حركة السوق حتى لا ينهار الجنيه إلى مستويات كارثية، وفقًا لتقديرات الدولة.

ويجب أن نؤكد هنا على أن آخر ما يمكن توقعه من قرار التعويم وما سيتبعه بالضرورة من ارتفاع لأسعار السلع الأساسية التي يتحكم في تسعيرها الدولة، مثل المحروقات، هو تراجع التضخم، بل على العكس، سنشهد بالضرورة موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار بمجرد ظهور تأثير سعر الصرف الرسمي الجديد في المعاملات الحكومية، مع ارتفاع تكلفة واردات الدولة وخصوصا الغذائية منها، إذ كانت الحكومة المصرية تتعامل بالسعر الرسمي مع تلك التوريدات، كما سيعني التعويم ارتفاع التعاريف الجمركية التي تتأثر بسعر الصرف وخصوصا بعد إلغاء العمل بالدولار الجمركي منذ عامين، وهو ما أكدته العديد من المؤسسات الدولية المؤيدة للقرار متوقعة ارتفاع التضخم إلى 45% على الأقل خلال الأشهر القادمة كنتيجة مباشرة للقرارات الأخيرة.

أضف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الدين على الموازنة، إذ أكد وزير المالية المصري على أن كل جنيه زيادة في سعر الدولار يرفع عبء خدمة الدين بنحو 111 مليار جنيه مصري.

ومع إصرار الحكومة على تجاهل أسباب الأزمة الحقيقية، نؤكد عليها من جديد:

• التوسع المنفلت في الاقتراض لتمويل سلسلة من المشروعات عديمة الجدوى الاقتصادية التي أنهكت الموازنة العامة.

• فوائد القروض التي تستنزف احتياطات العملة الأجنبية بشكل دوري وحاد.

• بيع الأصول القائمة بالفعل إلى كيانات أجنبية ما يعني حرمان الدولة من عوائدها وتحويل أرباحها للخارج بشكل دوري لتضيف عبء جديد على الجنيه.

• توجيه الاستثمارات نحو مشاريع إنشائية تستهدف الأثرياء بالأساس وتجاهل الاحتياجات الحقيقية للمجتمع والاقتصاد.

الأهم من ذلك، إن الأزمة لم تنتهي، بل ستعود، وبقوة خلال أشهر، مع استنزاف الاحتياطي النقدي مجددًا في ظل أعباء الديون المستمرة، وإصرار الدولة على المضي قدمًا في سلسلة مشاريع البنية التحتية التي لا تولد عائد يمكن الدولة من إعادة تدير الاستثمارات، ولا يستفيد منها إلا قلة من المستثمرين الذين لا يساهمون في الخزانة العامة للدولة لتمتعهم بحزم من التسهيلات الضريبية الواسعة، بالإضافة إلى تحويلهم أرباحهم للخارج بالعملات الأجنبية ما يفرض عبئًا إضافيًا على الاحتياطيات النقدية المصرية من العملات الأجنبية.

كما أظهرت الاضطرابات الأخيرة زيادة تشككات الحلفاء الإقليميين والدوليين حول قدرة نظام السيسي ‏ على تجاوز الأزمات التي تعصف بالسياسة النقدية وسعر الصرف، ما يظهر في محاولتهم فرض وصاية أكبر لضمان حماية مصالحهم من رعونة النظام في التعامل مع موارده.

لذا، يدعو حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) كافة القوى السياسية والديمقراطية والنقابات المهنية والعمالية، ومنظمات المجتمع المدني إلى النضال من أجل وقف فوري لإهدار أموال المصريين في مشاريع هامشية، وإن بدت عملاقة، لا تخدم سوى قطاع الإنشاءات، واتخاذ خطوات جادة لوقف نزيف الاقتصاد عبر إجبار المؤسسات الدولية على إسقاط ديون مصر.

ونؤكد على إن أي إستراتيجية وطنية للتنمية لابد وأن تكون ديمقراطية وأن الخروج من الأزمة يحتاج بالضرورة الارتباط بعملية الإصلاح السياسي، واستعادة التمثيل الحقيقي للمصالح الاجتماعية المختلفة.

وأخيرًا، مراجعة وتعديل السياسة الاقتصادية للدولة بالكامل في ظل فشل السلطة الكامل خلال السنوات الماضية حتى وصلنا إلى الأزمة الحالية.