تعديل نظام الإيجار القديم: نرفض تشريد المستأجرين وندعو لإصلاح شامل لسوق العقارات

نرى اليوم هجومًا كبيرًا على مستأجري الإيجار القديم انتهازا لحكم المحكمة الدستورية الأخير بخصوص عدم جواز ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى في قانون 136 لسنة 1981. إن هذا الهجوم ليس مستجد بل إنه مستمر لفترة طويلة وكأن المستأجرين القدامى قد أصبحوا عبء ونغمة نشاز في لحن الاقتصاد المصري.

ما نراه اليوم في هذه الأزمة هو ثمن تحولات اقتصادية وسياسية جارية لعقود لكنها تكثفت في العقد الأخير… ثمن تصاعد مكانة الريع في الاقتصاد المصري وخاصة الريع العقاري على حساب النشاط المنتج بل على حساب قيم اجتماعية هامة كالستر والاستقرار .. ثمن التضخم المسعور الذي أنتجته السياسات الاقتصادية للسلطة وأثر على كل المصريين لا سيما من الطبقات الوسطى والشعبية.. ثمن هيمنة سياسات إحلال طبقي عمراني تدفع آلاف المواطنين بعيدا عن مناطق سكنهم وعملهم التي استقروا فيها لسنين لا لشيء سوى أن قيمة الأرض التي يوجدون عليها ارتفعت في سوق العقارات المقدس.. ثمن إفراغ عملية انتخاب البرلمان من مضمونها وهندستها في الغرف المغلقة وتغييب أطر المشاركة الشعبية والمحلية.

1

مبدئيا٬ نرفض استغلال حكم المحكمة كتكأة أو مدخل للتحرير/الطرد بالمخالفة للحكم نفسه وللمستقر من القوانين وأحكام المحاكم العليا دستورية ونقض٬ واستغلاله لتمرير مشاريع قوانين يجري طرحها في البرلمان منذ سنوات سواء تحت مسمى فترة انتقالية قبل التحرير أو باستخدام الزيادات التعجيزية مقدمة لتشريد ما يزيد عن ثلاثة مليون أسرة٬ وضد العبث بالامتداد (الشق الثاني في قوانين الإيجار القديم) المحصنة بأحكام الدستورية في 1997 (التجاري) و2002 (السكني) التي أقرت أن الامتداد لجيل واحد فقط ووفقا لضوابط أهمها أن يكون الامتداد فقط لأقارب الدرجة الأولى الذين كانوا يعيشون مع المستأجر الأصلي أو يعملون معه في نفس النشاط/الحرفة.

2

إن ظاهرة الإيجار القديم تنكمش بالفعل وستنتهي تلقائيا في المجتمع المصري بوفاة آخر مستحق للامتداد في العين المؤجرة التي توفي مستأجرها بعد عام 2002. وما يجب التركيز فيه الآن هو الوصول لصيغة عادلة لزيادة الأجرة القانونية للوحدات السكنية الخاضعة لقانون 1981.

3

نرفض أيضا الدعاية الباطلة التي تحمل مستأجري الإيجار القديم كل سوءات الوضع الاقتصادي ومنها ظاهرة الشقق المغلقة. فالشقق المغلقة المؤجرة وفق نظام الإيجار القديم لا تتجاوز وفق التقديرات الرسمية 4.5٪ من إجمالي الشقق المغلقة حيث إن الباقي هو شقق تمليك أغلقها أصحابها لتعاملهم معها كمخزن للقيمة أو ما يعرف شعبيا بالتسقيع.

4

المستأجرون ليسوا مسؤولين عن سوء إنفاذ القانون فهذا مسؤولية أجهزة الدولة٬ فكل حالات هجر العين واستخدامها في أي غرض غير المنصوص عليه في العقد أو شغلها من قبل أشخاص غير المستحقين للامتداد هي حالات تستوجب الطرد وفقا للقانون الحالي ولا تحتاج لقواعد جديدة.

5

على البرلمان أن يتحمل مسؤوليته ويصدر تشريعًا يفعل حكم المحكمة الدستورية في الفترة التي حددتها المحكمة٬ وألا يتباطأ أو يتقاعس عن هذا كما حدث بعد حكم الاعتباري الصادر في 2018 ٬ لكي لا تضطرب أحوال الأسر ويلجأ الملاك المؤجرون للمحاكم المدنية ويطردون ملايين الأشخاص المستقرين سواء في شققهم السكنية مع أسرهم أو في عملهم في الورش والمحال والدكاكين المستأجرة.

6

نؤكد على أن الزيادة في أجرة المساكن يجب أن تكون وفق معيار قانوني وليس سوقي أي أن تضع في اعتبارها الالتزامات التي أوفى بها المستأجرون منذ تاريخ تحرير العقد وتاريخ إنشاء العقار٬ ولا تلتفت إلى المعايير السوقية المتغيرة من زمن لزمن ولا ذنب للمستأجر فيها٬ على أن يكون لها حد أقصى ولا تتجاوز نسبها وحدودها جدول زيادة أجرة التجاري الصادر عام 1997 بأي حال من الأحوال.

7

إعادة تفعيل اتحادات الشاغلين بحيث تنظم مشاركة المستأجرين الشاغلين للوحدات مع الملاك المؤجرين في تحمل تكلفة صيانة وترميم العقار٬ على أن تقدم الدولة دعما للمالك الأصلي (أو ورثته) غير القادرين على تحمل تكلفة صيانة وترميم المباني ذات الطُرز الخاصة. فرغم أن المالك الأصلي قد اتخذ قرارا استثماريا استفاد منه واسترد قيمة المبنى منذ زمن فإن من مصلحة المجتمع ألا تزداد ظاهرة البيع للملاك الجدد الذين يشترون العقارات وهم يعرفون وضعها وعوائدها جيدا انتظارا لطرد المستأجرين أو آملا في تغير القوانين وهؤلاء يكونون عادةً من المقاولين والشركات العقارية.

8

بدء إصلاح حقيقي وشامل لسوق العقارات في مصر.. إصلاح يستهدف مكافحة تحول العقارات لا إلى وسائل للسكن والنشاط وإنما إلى مخزن للقيمة صار مجزيا لأصحابها أكثر من معظم البدائل الادخارية والاستثمارية الأخرى بسبب السياسات الاقتصادية السائدة لسنوات.. إصلاح يستهدف أيضا السيطرة على انفلات سوق الإيجار الجديد التي تتصاعد القيم الإيجارية فيه بلا ضابط أو منطق ولا يتضمن أي ضمانات تحمي الحد الأدنى من الاستقرار للناس٬ وتجعل هذا السوق عرضة للتأثر بأي تغيرات في السوق مثل وفود أعداد من مواطني البلاد الأخرى لمصر في ظروف سياسية إقليمية معينة.