الإيجار القديم: حرب مستمرة ضد مصالح عموم المصريين

صدق رئيس الجمهورية على قانون الإيجارات القديمة الذي يعني بالضرورة تشريد ملايين المصريين خلال أعوام معدودة، في انتهاك صارخ لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وانحياز لمبدأ سلطان الارادة على حساب العدالة الاجتماعية وطبيعة عقد الإيجار، وفي مخالفة واضحة لأحكام المحكمة الدستورية العليا.

يؤكد النظام بذلك مجددًا تحيّزه وموقفه المناهض لحقوق الأغلبية من المواطنين في مصر. فبعد الانهيار الكامل للتعليم العام، وغياب الرؤية والتخبط في تطبيق نظام تأمين صحي شامل وعادل، يأتي قانون الإيجارات القديمة ليضيف دليلًا جديدًا على هذا النهج.

امتنعت الأنظمة السابقة على مدار عقود عن إجراء تغيير شامل على قانون الإيجارات القديمة مكتفية بأنه سيختفي تدريجيا بعد إيقاف العمل به في 1996 برحيل آخر جيل مستحق للامتداد القانوني وفقا لحكم المحكمة الدستورية في 2002. لكن النظام الحالي استغل حكم المحكمة الدستورية في نوفمبر 2024 بخصوص عدم دستورية ثبات الأجرة ليطيح بمنظومة الإيجار القديم تماما متخذا خطوة تشريعية ستشرد الملايين، معظمهم من كبار السن، والمطلقات، والأرامل، تاركًا إياهم فريسة لسوق سكني بلا ضوابط، لا يزيدهم إلا عبئا فوق أعبائهم، ويهدد أبسط حقوقهم في السكن الكريم والآمن.

جاء القانون بلا دراسة واقعية أو مسح اجتماعي للحالات، متجاهلًا أي اعتبارات إنسانية أو اجتماعية، مما يعكس بوضوح التوجهات الفعلية للنظام. وهذا ليس بجديد، فمن تعويم الجنيه، إلى التوسع في الاقتراض، ورفع الدعم عن المحروقات، وسوء أولويات الإنفاق، كانت النتيجة دائمًا هي تحميل المواطن العادي عبئًا هائلًا من المعاناة.

يأتي هذا القانون ضمن نهج أوسع دأبت عليه الدولة المصرية من نقض تعهداتها الاجتماعية، ونفض يديها عن دورها كحامي للعدل الاجتماعي. وهو لا يختلف كثيرا عن تعديلات الدستور السابقة التي انتهكت ابسط مبادئ القانون بمد مدد الرئاسة بأثر رجعي، والآن نسمع دعوات جديدة لجعل منصب الرئيس مدى الحياة، رغم إصرار الرئيس الحالي على تحدي مصالح غالبية الشعب.

ومن ارتفاع أسعار الغذاء، وانهيار التعليم والصحة، إلى المساس الآن بأهم ما يملكه المواطن: سكنه، الذي حصل عليه بشكل قانوني وشرعي، بينما تقاضى المالك مستحقاته بالكامل في حينه. لكن إغراء الأرباح المسعورة في سوق العقارات خلق حالة من الطمع غير المسبوق، وجعل من العقار وسيلة لاستنزاف المواطنين بدلًا من توفير الاستقرار لهم. وجدت هذه الأطماع صدى لدى نظام لا يعبأ بمعاناة المواطنين، بل يكرّس في خطابه أن هذه المعاناة قدر لا مفر منه.

ونؤكد في حزب العيش والحرية أننا نفرق بين صغار الملاك من ورثة المالك الأصلي الذين أصبحت تكلفة الحفاظ على العقارات أكبر من عوائدها بالنسبة لبعضهم في ظل ثبات الأجرة من ناحية٬ وبين الملاك الجدد من المقاولين والشركات الكبرى التي لن يرضيها سوى الأسعار السوقية المسعورة التي لن يقدر عليها المستأجرون القدامى بل وتهدف أساسا لطردهم من أماكنهم وإحلال آخرين محلهم.

وقد قدمنا بعد إصدار حكم الدستورية العليا مباشرة مقترحنا لتعديل عادل لنظام الإيجارات يراعي صغار الملاك. وساهمنا في الفاعليات النضالية التي قام بها المستأجرون وشاركنا في مناشدات رئيس الجمهورية رفض التصديق على القانون الصادر من البرلمان والتوجيه بتعديله.

لكن الآن وقد أصبح القانون واقعا فعليا بعد التصديق عليه ونشره في الجريدة الرسمية٬ فإننا ندعو عموم المستأجرين القدامى في مصر لتنظيم أنفسهم وخوض معركة الدفاع عن الحق في السكن، في مواجهة هذه الهجمة الشرسة على حقهم في العيش الكريم. ونؤكد أننا سنستمر في المشاركة في هذا النضال.

فلا بديل عن تنظيم أصحاب المصلحة أنفسهم لمقاومة هذه الحرب الضروس على حقوق المواطنين في السكن، والمأكل، والتعليم، والصحة، وعلى كل خدمة ومساحة عامة في مصر.